عودة إلى الصفحة الرئيسية

مؤامرة الأزمة وأزمة المؤامرة :أ.د كمال حطاب شباط 2010

يبدو أن الأزمة المالية العالمية كانت نتيجة مؤامرة من جهات عديدة، غير أن هذه المؤامرة لم تعد خاضعة لسيطرة المتآمرين ، وبالتالي فقد وجد المتآمرون أنفسهم في أزمة لا يستطيعون الخروج منها ، كيف حدث ذلك ؟
يرى عدد من الباحثين والمحللين أن احتمالات وجود مؤامرة تسببت في الأزمة المالية العالمية هي احتمالات قوية جدا جدا ، والأدلة والشواهد على ذلك كثيرة منها :
أولا :
ما تحدث به مؤلفا كتاب فخ العولمة ..
في نهاية التسعينات من القرن الماضي اجتمع منظرو العولمة مع كبار الشخصيات العالمية من أصحاب الشركات الكبرى في فندق فيرمونت في سان فرانسيسكو ليرسموا معالم القرن الحادي والعشرين ، وقد رأى هؤلاء وتحت تأثير الأرباح الفلكية التي تتحقق من خلال الأسواق المالية والنقدية ، ورغبة في زيادة هذه الأرباح من خلال خفض التكاليف وبخاصة أجور العمال ، رأوا أن 20% من حجم العمالة المتوافرة في العالم تكفي لتسيير الاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين ، وبالتالي لا حاجة إلى 80% من العمال في العالم .. ومعنى ذلك أنه لا حاجة لتوظيف الملايين وربما مئات الملايين في الوقت الذي يمكن الاستغناء عنهم وتوفير أجورهم .

وقد حضر هذا الاجتماع كل من هانسن بيترمارتين وهارالد شومان مؤلفا كتاب فخ العولمة وأشارا في كتابهما إلى ما دار في هذا الاجتماع، وما خطط له الحاضرون حول مستقبل العمالة ، وقد أشارا إلى أن مستقبل العمالة سينحصر بين خيارين ” إما أن تأكل وإما أن تؤكل ”
ثانيا :
وفقا لجريدة الرياض السعودية بتاريخ 26-10- 2008 وصف العاهل السعودي الأزمة المالية العالمية بأنها حرب اقتصادية خفية ، تحاول أن تستنزف القدرات المالية للدول التي تقع ضحيتها .
وقال الملك عبدالله بن عبدالعزيز “أعتقد أن العالم الآن في حرب خفية، حرب اقتصادية، ولا بد أن تراعوا هذا الشيء، ومصلحة الدين والوطن، لا مصلحة أشخاص، لأن الاقتصاد هو أساس كل شيء”.
ثالثا
صرح ليندسلي ويليامز في مقابلة تلفزيونية منشورة على اليو تيوب في شهر يوليو 2008 ،وكان وقتها سعر برميل النفط 140 دولار ، قال ” لقد علمت ممن يمسكون باقتصاديات العالم أنهم سوف يوصلون سعر برميل النفط إلى 50 دولار خلال أشهر معدودة ” وقال أيضاً أنه سيكون هناك انهيار كبير للاقتصاد الامريكي .
رابعا :
يرى باحث آخر أن المسألة هي استغلال أموال العرب وشطب ديونهم على المؤسسات المالية الكبرى في أمريكا وذلك من خلال قوانين الإفلاس ، فلماذا دعمت الحكومة الأمريكية بعض البنوك ، بينما أشهرت إفلاس ليمان برذرز وغيرها ، ويرى بأن الجواب يكمن في أن بعض الحكومات كالصين والصناديق السيادية في الخليج كانت بصدد الدخول في شراكة مع هذه المؤسسات المالية الكبرى بسبب زيادة حصصها من الأسهم .
أما بعد أن أشهرت إفلاسها فلم يعد لأحد أي حق ، وفقا للفصل الحادي عشر الخاص بالإفلاس ، ومعنى ذلك أن الشركة أو البنك يستمر في السوق ولكن تحت الرقابة والحماية .
خامسا :
ما تحدث به مصطفى الفقي الدبلوماسي في وزارة الخارجية المصرية حيث قال إن ما بين سبتمبر 2001 ، وسبتمبر 2008 شبه كبير ، غير أن الضربة الأخيرة كانت اقتصادية .

أما المؤشرات الدالة على أزمة المؤامرة والمتآمرين فهي كما يلي :
أولا :
خطة الإنقاذ التي نفذها بوش بضخ سبعمئة مليار دولار زادت من حدة الأزمة وقدمت مكافآت لمن تسبب فيها من كبار المدراء وأصحاب الشركات والمؤسسات المفلسة .
ثانيا :
استمرار الإفلاسات وانفجار الفقاعات في الاقتصاد الأمريكي والغربي في أسوأ كساد عرفته البشرية في عصورها الحديثة . فهناك أكثر من مائة وثلاثين مصرفا أمريكيا تم إشهار إفلاسها من قبل الحكومة .
ثالثا :
بالرغم من قيام حكومة أوباما بإمهال المدينين من أصحاب العقارات المرهونة احد عشر شهرا ، فإن ديون هؤلاء وفوائد الديون اضطرت نحو أربعين مليون أمريكي إلى ترك بيوتهم .
رابعا :
انكشاف الفساد والاستغلال الذي يقوم عليه النظام النقدي والمالي الدولي ومطالبة العديد من الدول بإصلاحه ، ومطالبة الصين وروسيا بإيجاد عملة دولية أخرى إلى جانب الدولار .
خامسا :
يبدو جليا مما سبق من شواهد دالة على مؤامرة الأزمة وأزمة المؤامرة على أن هناك مخططات فعلية إجرامية بحق البشرية ، وأن هناك رأسماليين متوحشين لا يهمهم سوى أنفسهم وأرباحهم ولذائذهم ونزواتهم ، وأنه ليس الأمر غريبا على هؤلاء أن يخططوا ، ولكن ما هو حاصل في الوقت الحاضر من تداعيات وآثار وانفجارات متسلسلة لفقاعات من الانتفاخات الخبيثة في الاقتصادات الرأسمالية قد خرج عن سيطرة هؤلاء .. ويبدو أن نتائج الأمور لن تتوقف عند حد معين ، ما لم يرجع هؤلاء ، والحكومات التي تخضع لهم عن وحشيتهم وعبثيتهم ، ويعودوا إلى إنسانيتهم .

وقد كان كلاوس شواب رئيس منتدى دافوس قد أشار إلى هذا العلاج عندما دعا إلى أنسنة العولمة ، وكذلك فعل جورج سوروس المسئول الأول عن أزمة النمور الآسيوية عندما نادى إلى العودة إلى الأخلاق وضبط الأسواق المالية العالمية .
فما لم يتنادى العقلاء والخبراء والمسئولون إلى كلمة سواء ، وموقف حق وعدل وإنصاف ، فإن هذه الأزمة لن تتوقف حتى تطيح برؤوسهم جميعا . وذلك من خلال حرب عالمية ثالثة ، وهو نفس ما حدث في أعقاب أزمة الكساد العالمي 1929 ،التي لم تتوقف بشكل كامل إلا بعد أن اشتعلت الحرب العالمية الثانية1939 ، حيث زج بملايين العمال المتعطلين في أتون الحرب، وفاق عدد الضحايا خمسين مليونا .

أكتب رداً:

You must be logged in to post a comment.

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]