أدوات الاستثمار الإسلامية والنموذج النظري أ.د كمال حطاب
أدوات الاستثمار الإسلامية
والنموذج النظري
أ.د كمال حطاب
ترافق ظهور معظم أدوات الاستثمار الإسلامية مع النهضة الفقهية المعاصرة في النصف الثاني من القرن العشرين ، وقد جاءت هذه الأدوات والصيغ حصيلة اجتهاد رصين محترم ، من قبل معظم العلماء المتخصصين في فقه المعاملات أو في الاقتصاد الإسلامي .
ونظرا لأن فقه المعاملات مبني على مراعاة العلل والمصالح ، فقد وجدت اختلافات عديدة حول هذه الأدوات ، ومع تراجع أدب الاختلاف في مجتمعات المسلمين في الوقت الحاضر ، فقد تعالت الصيحات والاتهامات ورأينا اختلافات لم يسبق لها مثيل في عهد الفقهاء السابقين من السلف الصالح .
وبالرغم من كثرة الخلافات المثارة حول هذه الصيغ والأدوات والتي ما تزال مستمرة حتى وقتنا الحاضر ، فإن هذه الصيغ ما تزال تعمل وتتطور وتنتشر في معظم دول العالم ، وذلك يشير بوضوح إلى مدى كفاءة هذه الصيغ ونجاحها وتفوقها على صيغ الاستثمار التقليدية .
وقد تبنى العديد من الباحثين ضرورة أن تتركز هذه الصيغ حول المضاربة أو النموذج النظري كما أسموه ، وذهب هؤلاء إلى أن الصيغ الحديثة وعلى رأسها المرابحة للآمر بالشراء هي تشويه أو انحراف للصيرفة الإسلامية عن النموذج النظري .. بينما ذهب آخرون إلى أن المضاربة من أكثر صيغ الاستثمار الإسلامي خطرا وأقلها عائدا ، والخلافات حول جزئياتها وفروعها لا تنتهي ، إضافة إلى أن هذه الصيغة ليس فيها نص من كتاب أو سنة ، فقد تعامل بها الناس منذ الجاهلية ، وحصل الإجماع على مشروعيتها بسبب انتشار التعامل بها من صدر الإسلام حتى وقتنا الحاضر .
وفي الحقيقة فإن جهود العلماء الأوائل في إيجاد نموذج نظري لأدوات الصيرفة الإسلامية لا شك أنها كانت مخلصة ، ولا يمكن التقليل منها أو الشك فيها . غير أن حصر الاجتهاد الفقهي في صيغة واحدة هي المضاربة ، يتعارض مع المرونة المعروفة في الفقه الإسلامي ، وبالتالي فإن أية صيغة يمكن أن تحقق المقاصد الشرعية وتلبي مصالح المسلمين بعيدا عن الشبهات أو المخالفات الشرعية هي صيغة مقبولة ويمكن أن تضاف إلى النموذج النظري المطلوب .
إن صيغة المرابحة للآمر بالشراء هي صيغة جائزة شرعا بقرار من مجمع الفقه الإسلامي شريطة دخول السلعة في ملك المصرف وتحمل المصرف خطر هلاك السلعة وتبعة الرد بالعيب الخفي .
وقد انتشر التعامل بهذه الصيغة في معظم المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية على تفاوت بينها في مدى تطبيق ما ورد في قرار مجمع الفقه ، وبالتالي فإن العيب ليس في الصيغة نفسها ، وإنما في مدى سلامة تطبيقها .
وتوجه إلى هذه الصيغة انتقادات عنيفة تتركز حول كونها صيغة تمويل استهلاكي لا تسهم في التنمية ولا تضيف إلى الأصول الإنتاجية . مع أن الحقيقة أن هذه الصيغة تتبع واقع المسلمين ومدى تقدم مجتمعاتهم ، فإذا كانت مجتمعات المسلمين متقدمة صناعية ، فإن هذه الصيغة يمكن أن تكون صيغة إنتاجية تنموية تمول مشروعات استثمارية صناعية .
لست من مؤيدي المرابحة أو المدافعين عنها فإن فيها من المخالفات التطبيقية ما لا حصر له ، وكذلك لست من مؤيدي المضاربة – خاصة في هذا الزمان الذي فسدت فيه الذمم – فإن في تطبيقاتها من الثغرات والمشكلات ما لا حصر له ..
ولكنني من المؤيدين والمدافعين عن الصيغ الاستثمارية الإسلامية بنماذجها النظرية ، فلا يمكن أن توجد صيغة نظرية إسلامية يتم تطبيقها بشكل كامل بعيدا عن المخالفات أو الشبهات الشرعية .
إن المسلمين في تطبيقاتهم وأدائهم لفرائض الصلاة والزكاة والصيام والحج يرتكبون مخالفات شرعية لا حصر لها ، وكذلك الحال في كل سلوك بشري ، لا بد أن يعتريه النقص والخلل والانحراف .
ولا يعني ذلك الموافقة أو الإقرار لصيغ وأدوات إستثمارية تسمى بالإسلامية وهي غير مقبولة من قبل جماهير علماء العصر، ولا تستند إلى نموذج نظري يعتد به ، فهذه الصيغ مرفوضة ويجب الاتفاق على عدم التعامل بها ، وتحذير الناس من الاقتراب منها .
إن المشكلة ليست في أدوات الاستثمار الإسلامية وإنما في تطبيق هذه الأدوات من قبل المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية ، كما أن المشكلة ليست في الإسلام ونظمه الاقتصادية والمالية والاجتماعية ، وإنما المشكلة في المسلمين ومدى التزامهم بنظام ربهم .
21 January 2012 في الساعة 12:58 pm
بارك الله فيك أستاذي الكريم على هذا الطرح
ففي وقتنا الحاضر كثر الكلام حول شرعية المرابحةمن عدمها، إلا انه تجدر الغشارة إلى أن العيب ليس في الصيغة ذاتها إنما يمكن أن يقع في تطبيقها.
لكن تجدر الغشارة إلى أنه يمكن إعتبار الصيغ التي تعتمد على مبدأ المشاركة في التعامل(كالمشاركة والمضاربة) هما صيغتان أكثر فعالية في تحقيق التنمية.
مشكور أستاذي الفاضل.