الاقتصاد الإسلامي والأزمة المالية العالمية
أ.د كمال توفيق حطاب
في لقاء معه بجريدة الشرق الأوسط بتاريخ 6/ يناير/ 2009 صرح الخبير الأمريكي روبرت مايكل ، بأن الأزمة العالمية لم تكن لتحدث لو كان العالم يتبع التمويل الإسلامي بدلا من الرأسمالي وذلك لأن القيود الواردة في القرآن الكريم ـ إذا ما تم تطبيقها بدقة ـ كانت ستمنع حدوث تجاوزات الرافعة المالية والمقامرة على المشتقات التي أدت إلى الانهيار الحالي.
وكذلك دعا بوفيس فانسون رئيس تحرير مجلة “تشالينجز” الأوروبية ، في افتتاحية له بعنوان (البابا أو القرآن) إلى الرجوع إلى القرآن للتخلص من آثار الأزمة المالية العالمية، مما أثار موجة عارمة من الجدل وردود الأفعال في الأوساط الاقتصادية.
كما أكد رودني ويلسون الأستاذ في جامعة درم في حديثه لجريدة الشرق الأوسط بتاريخ 18/11/2008 على أن البنوك الغربية في حاجة إلى إرشاد أخلاقي ، وأن التمويل الإسلامي يعتبر بالفعل بديلاً مبشراً للبنوك التقليدية .
إن هذه الدعوات المتزايدة وغيرها توضح المكانة الهامة المنوطة بالاقتصاد الإسلامي والصيرفة الإسلامية في الشهور والسنوات المقبلة ، كما تؤكد على عظم المسئولية الملقاة على عاتق الباحثين والعاملين في مجال الاقتصاد الإسلامي ، من أجل ترجمة المبادئ والأصول التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي إلى حلول عملية وعلاجات شافية للأزمات التي تتعرض لها كافة دول العالم .
فمما لا شك فيه أن الاقتصاد الإسلامي يقوم على مجموعة من الأسس الربانية الصالحة لكل زمان ومكان لكي تضبط المعاملات على أسس عادلة ، وتحمي المتعاملين من الاستغلال والظلم والتعدي ، من أبرزها: تحريم الربا والغرر والشروط الفاسدة في العقود ، واجتناب المحرمات في العقود .. إضافة إلى مجموعة من الضوابط الفقهية والأصولية ، مثل الغنم بالغرم والخراج بالضمان والتعادل في التبادل والنهي عن البيع قبل القبض .. الخ .
إن العمل بهذه الأسس على مستوى العالم سوف يجنب البشرية ويلات الربا وآثاره المدمرة ، ويجنب دول العالم الثالث شروط الإذعان المجحفة كما يطهر المعاملات من الفساد والمفسدين .
ولكن هذه الأسس والضوابط بحاجة إلى ترجمة عملية من خلال تبني الدول الإسلامية لخطط وبرامج منبثقة منها ، ثم تقديمها للعالم من خلال المنظمات والمحافل الدولية .
إن المشكلة في العالم الثالث ومنه الدول الإسلامية أن ممثلي الدول والحكومات الإسلامية في المحافل الدولية ليست لديهم الخبرة الكافية بالاقتصاد الإسلامي أو مبادئ الصيرفة الإسلامية ، ومعنى ذلك أن الرسالة ستكون منقوصة ولن تصل إلى المسئولين وصناع القرار في المنظمات والمحافل الدولية ، إضافة إلى أن الكثير من هؤلاء ليسوا واثقين أو مؤمنين أو حتى على معرفة بإمكانية وجود حلول للأزمات العالمية في الاقتصاد الإسلامي .
إن المطلوب من المفكرين والباحثين والمتخصصين في الاقتصاد الإسلامي والصيرفة الإسلامية محاولة جسر الهوة بينهم وبين أصحاب القرار الاقتصادي ، كما أن المطلوب من صناع القرار الاقتصادي في الدول الإسلامية ضرورة الاستعانة بخبراء الاقتصاد الإسلامي من أجل حل مشكلاتهم .
وقبل ذلك لا بد من الارتقاء الفقهي والاقتصادي والمالي بأسلوب خطابنا الإسلامي بما يتناسب مع حجم الأزمة العالمية والعوامل المسببة لها . وهذا يعني أن يمتلك الخبراء في الاقتصاد الإسلامي معرفة ودراية فنية ومالية وشرعية في حيثيات الأزمة المالية ومفرداتها وخفاياها ، من أجل تقديم التوصيف المناسب ومن ثم الحلول الناجعة لها .
فلا يكفي أن نعالج قضايا العالم بالتحليل والتحريم غير الملم أو المحيط بكافة مفردات الأزمة ، ولا يكفي أن نقول بأن تحريم الربا أو سعر الفائدة سوف يحل الأزمة .. فسعر الفائدة في الوقت الحاضر في أمريكا وكثير من الدول الصناعية يقترب من الصفر والأزمة لا زالت تتفاقم .
ولا يكفي أن نقول بتحريم الخيارات والمستقبليات والعقود الآجلة والمقايضات والتعامل بالهامش ومشتقات الرهن العقاري وبيع الديون .. الخ دون تقديم البدائل لها.
إن المطلوب ممن ينتمون إلى الاقتصاد الإسلامي الإلمام بالجوانب الفنية ، بقدر الإلمام بالجوانب الشرعية ، فلن نستطيع أن نخاطب العالم بنصف معرفة ، كما لا يمكن أن نحل مشكلات العالم بالوعظ أو العاطفة أو التمنيات أو الماينبغيات .