تنمية القدرات وتقدير الإنجازات أ.د كمال حطاب آذار 2010
يرى عدد من خبراء التنمية الدوليين أن مفهوم التنميــــة لم يعد مقصورا الآن على محاولة اللحاق اقتصادياً بالدول الأكثر تقدماً بقدر ما يهتم بالكشف عـــن قــدرات الشعوب (النامية) وإمكان استغلال هذه القدرات على المستويات المحلية والإقليمية والعالمــية ، ما يعني ضرورة التعرف على قدرات هذه الشعوب وطاقاتها ودراستها دراســـة عميقة لفهمها والاسترشاد بها .
ولو استعرضنا منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إحداث التنمية لوجدناه يركز على اكتشاف القدرات والطاقات ومحاولة استثمارها وتنميتها على مستوى الأفراد والقبائل والشعوب وعلى مستوى البشرية جمعاء .
فعلى المستوى الفردي وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم يكتشف في أصحابه مواهبهم وطاقاتهم ، ويوظفهم وفقا لذلك ، ففي غزوة الخندق ، اكتشف في سلمان الفارسي خطة الدفاع عن المدينة بحفر الخندق فوظفه لذلك واستفاد المسلمون بخبرته في ذلك ، إلى أن أصبح حاكم المدائن فيما بعد ، واكتشف في خالد بن الوليد الخبرة والحنكة العسكرية فوظفه قائدا على جيوش المسلمين، واكتشف في عمر وأبي بكر سداد الرأي والصدق والإخلاص فجعلهما مستشاريه المقربين .
اكتشف في بلال حسن الصوت وحسن التدبير فجعله مؤذن الرسول إضافة إلى مهمة التدبير والإنفاق ،واكتشف في نعيم بن مسعود الدهاء والحيلة – ولم يكن الكفار قد عرفوا بإسلامه – فوظفه للإيقاع بين بني قريظة وكفار قريش ، كما عرف في أبي ذر ضعفه ورقة قلبه ، فرفض توليته الإمارة ، وهكذا كان في اختياره لكتبة الوحي، وفي إرساله الرسل إلى الملوك والأمراء ، وفي تعيينه العمال والولاة ، وفقا للكفاية والكفاءة .
ولم يكن الأمر مقتصرا على الرجال دون النساء ،فقد اكتشف في خديجة سيدة نساء قريش القلب الرحيم وحدة الذكاء وحسن التدبير فقرر الزواج منها ، واكتشف في أسماء بنت أبي بكر العزيمة والصبر والكتمان فقرر الاستعانة بها في الهجرة في توصيل الطعام ، وكذلك أم عمارة الأسلمية التي كانت أول ممرضة في الإسلام .
ولم يكن الأمر على مستوى الأفراد فحسب وإنما على مستوى القبائل والشعوب في ذلك الوقت حيث نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم عرف عادات العرب وتقاليدهم وثقافتهم وتراثهم ، فحفظ لحاتم الطائي مكانته ، وحفظ لعنترة مكانته ، وحفظ للأنصار مكانتهم ونصرتهم للإسلام وكذلك المهاجرين ، والذين جاؤوا من بعدهم ، وحتى الذين آمنوا به ولم يروه اعتبرهم أخوانه واعتبر أجرهم مضاعفا عن أجر أصحابه الذين عرفوه .
ولقد نمى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أصحابه هذه الميول والطاقات والقدرات ، حتى جعل منهم علماء وقادة وأمراء ، تمكنوا من نشر الإسلام في كافة ربوع العالم في ذلك الوقت ، وإخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الهداية والإيمان ، في فترة قياسية جدا .
فهل تنطلق مؤسساتنا الحكومية والخاصة من هذه المنطلقات التي أرساها النبي صلى الله عليه وسلم عند اختيار موظفيها أوعند محاولتها الارتقاء بأداء الموظفين ، وهل تقوم المؤسسات المالية الإسلامية بالأخذ بالاعتبارات السابقة في سبيل تحسين الأداء ورفع درجة الجودة .
إن المأسسة أو الالتزام بالقوانين المعاصرة في الأعمال الإدارية أمر هام ، ولكن الأهم من المؤسسات هم الأفراد الذين يديرونها ، وبالتالي فإن توجيه عملية التنمية نحو الأفراد بالتقدير والمكافأة وإيجاد الحوافز وتقدير الإنجازات هو السبيل الأول في نجاح المؤسسات واستمراريتها .