مقترح لإحياء نظام إنظار المعسرين أ.د كمال حطاب نيسان 2010
مقترح لإحياء نظام إنظار المعسرين
أ.د كمال حطاب نيسان 2010
في ظلال قوله تعالى ” وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ” يمكن اقتراح ملامح لنظام انظار المعسرين في المصارف الإسلامية ، بحيث تستمر المصارف الإسلامية في عملها وتطورها ، ويستمر العملاء والمستثمرون في مشروعاتهم وأعمالهم ، وتبقى الثقة في المصارف واستمراريتها قائمة .
إن مبدأ إنظار المعسرين من شأنه أن يحول دون تدمير المدين وإخراجه من السوق ، وعلى المستوى الكلي فإن وجود نظام لإنظار المعسرين على مستوى المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية سوف يكون له نتائج إيجابية هامة على أداء الاقتصاد الوطني وحمايته من التدهور والانهيار .
فإنظار المعسرين سوف يعطيهم فرصة أفضل للسداد ، كما يحفظ قيمة الضمانات التي قدموها للدائنين من التدهور والانهيار ، وبالتالي يمنع انهيار الأسواق ، وحدوث الأزمات المالية ، كما حدث في ظل الأزمة المالية العالمية المعاصرة .
إن هذا المبدأ يشكل أداة تحوط اقتصادية تمنع الاقتصاد القومي من الانهيار والسقوط في براثن الكساد العظيم ، وبالتالي ينبغي أن يكون هذا النظام جزءا من أقسام إدارة المخاطر في المصارف الإسلامية . فإدارة المخاطر لا يصح أن تبقى محصورة في المزاوجة بين تحقيق أعلى عائد وأقل مخاطر ممكنة ، وإنما لا بد أن يضاف إليها تحقيق حماية ورعاية ورضا وملاءة العميل ونجاحه في مشروعاته واستثماراته .
إن تخلي المصارف الإسلامية عن العملاء المعسرين عند أول فرصة يشكل تهديدا قاسيا للعملاء كما يشكل تهديدا خطيرا للصيرفة الإسلامية التي تبنت هذا المبدأ عند نشأتها .
إن مبدأ إنظار المعسرين يشكل دعامة للعميل والمصرف ، فإذا أفلس العملاء وتخلت المصارف عن مساندتهم ، فإن المصارف سرعان ما تلحق بعملائها . وهذا ما حدث في أعقاب الأزمة المالية العالمية .
ولكن هذا المبدأ لا يعمل وحده ، بل لا بد من وجود نظام متكامل يتكون من تشريعات واضحة تنظم إنظار المعسرين على مستوى كافة المؤسسات المالية الوطنية ، وخاصة المصارف المركزية .
فما هي حدود وضوابط الإعسار ، وهل كل امتناع عن السداد يكون نتيجة إعسار ؟ وكيف يمكن التفريق بين المعسر والمماطل ؟
إن هذه المسألة تتطلب وجود قسم خاص في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية ، مهمته البحث في أحوال العملاء ومراقبة ومتابعة أوضاعهم المالية ، وربما ضرورة قيام العميل بتزويد هذا القسم بتقارير دورية عن أوضاعه المالية في المشروعات التي مولت من قبل المصرف الإسلامي . عندئذ يمكن للمصرف الإسلامي أن يفرق بين الإعسار والمماطلة من خلال هذه المتابعة الدورية لأحوال العملاء .
وربما يستدعي الأمر وجود قسم خاص بإنظار المعسرين في البنك المركزي مهمته مساعدة المعسرين من خلال إعادة تمويلهم بما يمكنهم من التغلب على ظروف الإعسار التي أصابتهم ، وفي هذه الحالة فإن آثار انظار المعسرين لن تكون سلبية على المصارف الإسلامية نظرا لوجود البنك المركزي إلى جوار هذه المصارف في دعم المدينين المعسرين .
وقد يكون تفعيل صناديق القرض الحسن المقترحة في البنوك الإسلامية من دعائم نجاح نظام إنظار المعسرين والأقسام المشرفة عليه .
إن تطبيق هذا الإنظار يمكن أن يكون من خلال جدولة الديون ، ولكن لا يصح أن يكون ذلك لقاء زيادة على الديون تحت أي مسمي ، سواء كان أتعابا أم تكاليف إدارية أم غير ذلك .. فهذه المسميات لا تلغي الفائدة الربوية الحاصلة ، والتي سوف تعمل على زيادة الإعسار واستفحال الأزمة المالية التي يمكن أن تصيب الاقتصاد الوطني بالكامل .
إن من أشد العوامل التي تؤدي إلى انهيار المصارف والمؤسسات المالية فقدان الثقة بين العملاء والمصارف ، فهذه الثقة هي الأساس في استمرار المصارف في أداء وظائفها ، وإن وجود نظام لإنظار المعسرين يعزز هذه التقة ، ويمنح العملاء قدرات وفرص إضافية لتسوية وتصحيح أوضاعهم ، مما يؤدي إلى استمرارية الاستقرار المالي والاقتصادي في المجتمع .
لقد ضخت مليارات الدولارات في أعقاب الأزمة المالية العالمية لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي، ولكنها لم تنجح حتى الآن في الإنقاذ ، لسبب بسيط وهو أنها لم توجه للمدينين المعسرين ، وإنما وجهت لكبار الدائنين ، واستفاد منها أصحاب المناصب المالية العليا من مدراء بنوك ومساعديهم ومشرفين على المؤسسات المالية الكبرى .
ولو أن هذه الأموال وجهت منذ البداية لأصحاب العقارات المرهونة الذين توقفوا عن السداد، أو وضع نظام لإنظارهم وتمكينهم من مواصلة أعمالهم ومشروعاتهم لما حدثت الأزمة أساسا.
إن وجود هذا النظام في الاقتصاد الوطني وفي المصارف الإسلامية بشكل خاص هو لمصلحة المصارف الإسلامية والاقتصادات الوطنية قبل مصلحة العملاء المعسرين .