نماذج وقفية تنتظر الإحياء أ.د كمال توفيق حطاب أيار 2010
تشهد الوثائق الوقفية على تنوع مجالات الوقف في التاريخ الإسلامي إلى أشكال عديدة لم يعد لها وجود في عصرنا الحاضر ، مما يعني وجود فرص وقفية إسلامية تتطلب الإحياء وتستنهض الغيورين من المسلمين أفرادا ومصارف ومؤسسات مالية إسلامية ، من أجل القيام بهذا العمل ، وتطوير منتجات مالية إسلامية وقفية لتلبية هذه المجالات ، مما يزيد من البعد الإنساني والاجتماعي لهذه المؤسسات ، ويعمل على تعزيز العلاقات الإنسانية والاجتماعية في المجتمعات الإسلامية : ومن أبرز هذه النماذج ما يلي :
– وقف الحليب : وهي الأحباس والعقارات التي وقفها أصحابها لينفق ريعها على الأمهات بإمدادهن بالحليب والسكر .
– وقف الزواج : وينفق ريع الأحباس على الفتيان والفتيات المعسرين بتزويجهم وتقديم المهور إليهن .
– وقف الحالات الخاصة : وينفق منه على المقعدين والعميان والعجزة والمرضى والزمنى برعايتهم ومدهم بكل أنواع المساعدة .
– وقف المساجين : وينفق منه على المساجين للتخفيف عليهم والإحسان إليهم وإلى ذويهم.
– وقف الأيتام : وينفق منه على اللقطاء والأيتام بالقيام بختانهم وتقديم ما يحتاجون إليه من إيواء وطعام وكسوة .
– وقف الصحون والأطباق : وينفق منه على الخدم تعويضا لهم عما يتلفونه من صحاف وأوان وأطباق .
– وقف الموتى : ينفق منه على الموتى من فقراء المسلمين بما يقدم إليهم من تجهيز وأكفان ، أو على المقابر بإيجاد المثوى الأخير لكل مسلم بعد وفاته .
– وقف الحيوانات : وينفق منه على الحيوانات بعلاجها وإطعامها والإحسان إليها فإن في كل نفس رطبة أجرا .
– الوقف العسكري : وينفق منه على المجاهدين ليحرسوا بلاد الإسلام من كل عدوان ، وصرفت لهم منه النفقات الوافرة ، وجهزوا بكل ما يحتاجون إليه من ذخيرة وطعام وشراب ، وأسلحة وخيول ونبال .
– وقف المنشدين : وينفق منه على الفرق الإنشادية التي تزور المستشفيات للتخفيف من آلام المرضى ومعاناتهم .
– الوقف الصحي : وجدت الأحباس والعقارات التي ينفق من ريعها على المشافي والبيمارستانات ، وعلى المعاهد الطبية داخل المستشفيات وعلى مراكز الأطباء ، إضافة إلى المطاعم والمطابخ لتقديم الأغذية الطبية ، والمساكن والغرف التي يسكنها الأطباء والعاملون في المستشفيات . ولقد وقف الملوك والأمراء والموسرون المحسنون والأطباء أنفسهم مستشفيات ومراكز صحية ، وخصصوا أحياء طبية ومدنا صحية ..الخ
جاء في كتاب الدكتورة الألمانية زيغريد هونكة ” شمس العرب تسطع على الغرب ” وصفا للمستشفيات الإسلامية في عهد هارون الرشيد من خلال عرض رسالة من مريض إلى أبيه يقول فيها ” أبتي الحبيب ، تسألني إن كنت بحاجة إلى نقود ، فأخبرك بأنني عندما أخرج من المستشفى سيعطونني ثوبا جديدا وخمسة قطع ذهبية حتى لا أضطر إلى العمل حال خروجي مباشرة .. مع العلم أنه لما أخذوني بعد سقوطي .. فحصني الطبيب ثم أخذني الممرض فحممني ، وألبسني ثيابا نظيفة ، هناك يا أبتي نمضي الوقت بالمطالعة المفيدة واليوم قال لي رئيس الأطباء إن بإمكاني النهوض صباحا والخروج من المستشفى معافى فإنني أكره ذلك ، لأن كل شيء هنا جميل ، الأسرة وثيرة ، وأغطيتها كالحرير وفي كل غرفة تجد الماء جاريا على أشهى ما يكون ، وفي الليالي القارسة تدفأ الغرف .. ”
يعقب د. الخوجة على هذه الأمثلة التاريخية بقوله ” تلك هي السمات الحضارية التي تنطق بها شواهد في تاريخ الإسلام في عصوره الأولى التأسيسية البناءة والذهبية ، وهي كلها وليدة النزعة الإنسانية المتغلغلة في أفراد الأمة الإسلامية ومجتمعاتها . وهي نزعة ظهرت في سائر المجتمعات الأخرى ، كما سمت وفاضت في مجتمعاتنا في تلك العهود بالخير والبر والرحمة على طبقات المجتمع كافة ، بل على كل من يعيش على الأرض من إنسان وحيوان ” .
إن هذه الأمثلة الناصعة في تاريخ المسلمين توضح بجلاء كيف عملت الأوقاف الإسلامية على زيادة التقدم والرفاهية ، ورفع مستوى المعيشة ,, إن وجود الأوقاف المختلفة في كافة الميادين والمرافق وأشكال البنية الأساسية في المجتمع الإسلامي يؤدي إلى تقليل نفقات المعيشة وزيادة الرفاهية والأمان الاجتماعي ، كما أن وجود الرعاية الاجتماعية والصحية لكافة مواطني الدولة الإسلامية يؤدي إلى زيادة القدرة الإنتاجية، وتحسين مستوى المعيشة ، وزيادة الشعور بالأمن والطمأنينة ، وتطهير النفوس من الغل والحسد والكراهية ، وإبدال هذه المشاعر بمشاعر طيبة من الاحترام والمودة والأخوة ، كما يزيد من روح الانتماء والتعايش والانسجام بين كافة فئات المجتمع الإسلامي .
لقد كانت الأوقاف تعالج أمراضا اجتماعية خطيرة وتستأصل شأفة الفساد من أوكاره ، فالأمراض الاجتماعية والجرائم تنبت في أكواخ الفقر والظلم والمجاعة والعزلة والتطرف ..
جاء في الحديث ” قال رجل لأتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية ، قال : اللهم لك الحمد على زانية ، لأتصدقن بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني ، فأصبحوا يتحدثون ، تصدق الليلة على غني ، قال : اللهم لك الحمد على غني ، لأتصدقن بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق ، فأصبحوا يتحدثون ، تصدق الليلة على سارق ، فقال اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق ، فأتي فقيل له : أما صدقتك فقد قبلت ، أما الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله ، ولعل السارق يستعف بها عن سرقته “(مسلم ، كتاب الزكاة ، باب ثبوت أجر المتصدق ، 2/907)
فالحديث يشير بوضوح إلى دور الصدقة في علاج أمراض اجتماعية خطيرة كالسرقة والزنا والشح ، فالصدقة الجارية لها علاج جار على النفوس الضعيفة أو المريضة أو القابلة للإنحراف والتعدي ، فهي تحدث في نفس صاحبها أثرا عظيما من الشعور بالرضا وحلاوة الإيمان ، كما تحدث في نفس آخذها شعورا عظيما من الشعور بالامتنان والعرفان لله أولا ثم للمنفقين ..
أهم المراجع :
الخوجة ، محمد الحبيب : “لمحة عن الوقف والتنمية في الماضي والحاضر” ، ندوة أهمية الأوقاف الإسلامية في عالم اليوم ، لندن ، 1996 .
عبد الله ، محمد بن عبد العزيز : الوقف في الفكر الإسلامي ، مطبعة فضالة ، وزارة الأوقاف ، المغرب .
حطاب ، كمال : دور الوقف الإسلامي في تعزيز العلاقات الاقتصادية والجضارية” مؤتمر الشارقة للوقف الإسلامي والمجتمع الدولي ، الأمانة العامة للأوقاف بالشارقة ، 2004