التحوط الإسلامي والخسائر الكارثية أ.د كمال حطاب حزيران 2010
كشفت الأزمة المالية العالمية الأخيرة عن خسارة 2.5 تريليون لحقت بأموال وأرصدة العرب ، وفقا لتصريحات عدد من المسئولين في الدول العربية .
فعلى من تقع مسئولية الخسارة لهذه التريليونات التي كان يمكنها أن تحول الدول العربية والإسلامية التي تعاني من الفقر والتخلف إلى دول تتمتع بأعلى درجات الرفاهية والتعليم والتأمين الصحي والاجتماعي ..
وهل تم محاسبة المسئولين عن هذه الخسائر الكارثية ؟ ولماذا لم نسمع عن محاسبة أحد حول هذه الخسائر الضخمة ؟
لماذا لم تلجأ المؤسسات المالية العربية حكومية وخاصة إلى الهندسة المالية والتحوط لتلافي الخسائر والوقاية ضد المخاطر ؟ من المسئول عن هذه الخسائر ؟ هل هي الصناديق السيادية ؟ أم هي الحكومات وممثليها ؟ هل هي وزارات المالية أم البنوك المركزية أم هي مؤامرة من المؤسسات المالية الدولية ، ولماذا لم نسمع عن شكاوى أو اتهامات ضد هذه المؤسسات الدولية من قبل أية دولة عربية .
مما لا شك فيه أن غياب التحوط والهندسة المالية المتقدمة عن أموال العرب والمسلمين قد أدى إلى هذه الخسائر ؟ فعلم التحوط كان كفيلا بتجنب الخسائر ، والدليل على ذلك أن صناديق التحوط العالمية خرجت من الأزمة العالمية بأقل الخسائر وما زالت تسيطر على الأسواق في العالم .
ولكن هل اللجوء إلى التحوط المالي أمر مقبول شرعا ؟ وهل كان من الممكن اللجوء إلى أساليب تحوط إسلامية ؟ وهل كان من الممكن تحنب الخسائر حقيقة ؟ وللإجابة على ذلك نتساءل ايضا هل هذه الخسائر الكارثية يمكن أن تكون مقبولة شرعا أم أن دفعها هو واجب شرعي ؟ وإذا كانت أدوات التحوط المالي يمكن أن تحول دون تحقق هذه الخسائر ؟ فهل يصح القول بأن اللجوء إلى أدوات التحوط ليس مقبولا شرعا ؟
مما لا شك فيه أن أدوات التحوط المعاصر هي من أعقد ما ابتكره العقل البشري في العصر الحديث ، خاصة الخيارات التي صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بتحريمها . وبالرغم من صدور هذا القرار فإن عددا من العلماء الذين يعتد بهم ، يرون إمكانية قبولها إذا كانت على عقود مشروعة ، فالمرفوض هو الخيارات على سعر الفائدة أو المؤشرات أو الأوراق المالية المحرمة أما الخيارات على العقود التي تمثل سلعا مشروعة كالنفط وغيره وكذلك العقود على الأوراق المالية المشروعة فيمكن أن تكون مقبولة شرعا ، خاصة عندما تكون قيمة الصفقات بمليارات الدولارات أو أكثر من ذلك ، بل إن الأخذ بها تحوطا ضد التقلبات والخسائر يمكن أن يكون واجبا شرعيا .
لقد برعت مؤسسات مالية عديدة في الدول الغربية كصناديق الاستثمار وصناديق التحوط في استخدام أدوات تحوطية تمكنها من تجنب الخسائر وتحقيق أقصى الأرباح، بينما برع العرب والمسلمون في العصر الحديث في تحقيق الخسائر وتلقي الهزائم بحجة التحريم أحيانا والعجز أحيانا أخرى .
ومع كل ما تقدم فإنه ليس بالضرورة أن يكون السبيل الوحيد لحماية أموال المسلمين وثرواتهم هو من خلال التحوط أو الأدوات التحوطية ، حيث يمكن لهم أن يوجهوا هذه الأموال للاستثمار والقيام بالمشروعات الإنتاجية في بلاد المسلمين الأكثر أمانا ، بدلا من تركها في البنوك وصناديق الاستثمار والمؤسسات المالية الغربية طمعا في الفوائد وتحقيق الأرباح السهلة .
كذلك فإن المسلمين مطالبون بإيجاد أدوات استثمارية إسلامية عالمية ترافقها أدوات تحوط إسلامية ، فقبل إصدار قرارات التحريم يجب على المسلمين إيجاد البدائل الشرعية .
ومع ذلك ، وإلى أن يصل المسلمون إلى إيجاد إدوات تحوط إسلامية يمكن أن تكون قابلة للتطبيق في الأسواق المالية الدولية التي تفيض بالأدوات المحرمة . فإنه لا بد أن يتقن المسلمون أدوات التحوط التقليدية دفعا للضرر الأكبر بتحمل الضرر الأخف ، وكذلك لا بد أن يسبروا أغوار الأسواق المالية العالمية ويتعرفوا على أدق تفاصيلها وأدواتها بغية إصلاحها وتجنب آثارها الضارة على المسلمين وأسواقهم وثرواتهم وخاماتهم .