الصناعة المالية الإسلامية والتحديات المعاصرة أ.د كمال حطاب
الصناعة المالية الإسلامية والتحديات المعاصرة
مما لا شك فيه أن الصناعة المالية الإسلامية أصبحت حقيقة مؤكدة ورقما صعبا .. سواء من حيث ححم أصولها الذي يقترب من 3 تريليون دولار .. أو من حيث عدد مؤسساتها وانتشارها في مختلف دول العالم حيث يتجاوز عدد البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية أكثر من ثمانمئة مؤسسة بين بنك أو مؤسسة أو نافذة ..
ومع ذلك فلا تزال هذه المؤسسات تواجه تحديات عديدة لعل من أبرزها وفقا لما جاء على لسان محافظ البنك المركزي الكويتي مؤخرا ..انخفاض عدد أدوات التحوط التي تحتمي بها هذه المصارف ..مما يعرضها إلى زيادة المخاطر التي تواجهها ..
وبالرغم من انتشار أدب التحوط الإسلامي في العديد من البحوث والمقالات والأطروحات العلمية إلا أن تطبيق ما ورد في هذه الدراسات لا يزال يراوح مكانه ..
وتحاول المؤسسات الداعمة للصناعة المالية الإسلامية كالمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ومجلس الخدمات الإسلامية وهيئة المراجعة الشرعية والمحاسبية .. إيجاد معايير وضوابط تحد من المخاطر التي تتعرض لها المصارف الإسلامية .. غير أن عملية إلزام هذه المصارف بهذه المعايير لا يمكن أن يتحقق عمليا الا من خلال رقابة البنوك المركزية .. وبالتالي تبقى مسؤولية البنوك المركزية هي الأكبر .. وبما أن معظم محافظي الدول الإسلامية أصبحوا أعضاء في مجلس الخدمات المالية الإسلامية .. فإنهم يستطيعون أن يحددوا ويضعوا الضوابط والمعايير التي تتوافق مع المتطلبات الدولية في مجال التحوط وإدارة المخاطر .. كما يستطيعون إلزام المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية العمل بهذه المعايير
ومن جهة أخرى فبالرغم من انتشار أدب التحوط الإسلامي في بحوث وكتب ورسائل ماجستير ودكتوراه .. إلا أن هذه الدراسات النظرية لم تر النور عمليا .. وكأن هناك فجوة بين ما يتم في الأدب النظري وما يطبق عمليا .. وفي رأيي فإن البنوك المركزية يمكن أن تقوم بردم هذه الفجوة .. فالبنوك المركزية هي الأجهزة التنفيذية التي تمتلك كافة الأدوات اللازمة للمحافظة على الاستقرار النقدي .. كما تمتلك أهم وآخر خطوط الدفاع عن البنوك التجارية والإسلامية .
ومن التحديات التي تواجهها الصناعة المالية الإسلامية .. ضعف الرقابة الشرعية وعدم تحديد مواصفاتها .. حيث تعتري الرقابة الشرعية عدد من الآفات المرضية التي تفتك بها ويمكن أن تؤدي في النهاية إلى انقراضها .. فهناك احتكار للرقابة الشرعية على عدد محدود من الشخصيات على مستوى العالم .. ولا توجد مواصفات مهنية أو قانونية للمراقب الشرعي في معظم البنوك الإسلامية .. كل ذلك يتطلب من الأجهزة الممثلة للفتوى والمؤسسات الدينية الاتفاق على ميثاق أو مذكرة تفاهم ، يتم من خلالها تحديد مواصفات وشروط لا بد من توافرها في من يمارسون هذه المهنة ، كما ينبغي تكوين جهاز رقابة مهنية لمتابعة تطبيق المواصفات والشروط ، كل ذلك من أجل حماية أجهزة الرقابة الشرعية قانونيا من الدخلاء أو الأدعياء أو المتسلقين المتساهلين المتاجرين بالدين..وقد وجدت أدبيات وبحوث ورسائل ماجستير ودكتوراه حول موضوع الرقابة الشرعية .. كما ظهرت بحوث عديدة تقترح ضرورة حوكمة الرقابة الشرعية وتمهين الرقابة الشرعية .. وضرورة قيام الجهات التشريعية والجهات ذات العلاقة بمأسسة الرقابة اشرعية ، غير أن الفصام بين الأدب النظري والعملي لا يزال قائما.
ووضعت المؤسسات الداعمة للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية معايير للحوكمة ومعاييرللرقابة الشرعية .. غير أن هذه المعايير لا تزال تنتظر التطبيق .. ويبدو أن البنوك المركزية هي الجهة الأكثر قوة ونفوذا في تطبيق هذه المعايير ، كما تقدم ..
إن الرقابة والتدقيق الشرعي والمحاسبي هي من مستلزمات تطبيق الإفصاح والشفافية.. وجميعها من مستلزمات مقررات بازل3، والتي تمنح جميع البنوك والمؤسسات المالية مهلة للتطبيق حتى 2019 .
وبالتالي فمن مصلحة البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية أن تلتزم بتطبيق هذه المعايير قبل أن تجد نفسها مكشوفة ، وربما لا تستطيع المنافسة على المستوى الدولي ، مما يحرمها الكثير من الفرص ، ويوقعها في عزلة لا تستطيع الخروج منها .