قضايا الزكاة المعاصرة أ.د كمال حطاب
قضايا الزكاة المعاصرة
أ.د كمال توفيق حطاب
شاركت قبل عامين في الندوة العالمية الرابعة والعشرين لقضايا الزكاة المعاصرة ، والتي ينظمها سنويا بيت الزكاة الكويتي .. وقد تميزت الندوة باختيار موضوعات علمية فنية دقيقة ، وذلك يدل على جهد كبير بذل في إعداد محاور الندوة .
ركزت المحاور على قضايا معاصرة: مثل تزاحم الأسباب الموجبة للزكاة، وزكاة عقود الامتياز، وزكاة الأنشطة خارج الميزانية … ولا شك أن الهدف من طرح هذه الموضوعات هو تمكين الأفراد والمؤسسات والجهات الخاضعة للزكاة من أداء زكواتهم بسهولة ويسر من خلال حل مشكلاتهم الزكوية، إضافة لزيادة حصيلة الزكاة وتوجيهها نحو مصارفها المعتمدة شرعا، بما يؤدي إلى زيادة الإنفاق والتشغيل وتقليل حدة التفاوت في المجتمع ..
تشمل الأنشطة خارج الميزانية الأنشطة أو الأحداث أو الالتزامات المحتمل تحصيلها مستقبلا .. ومن أمثلتها المشتقات بأنواعها وخطابات الضمان والتأجير التمويلي وغيرها .. وبما أن المشتقات في معظمها محرمة، فقد أكد الباحثون على قرارات ندوات الزكاة السابقة بحرمة زكاة المال الحرام .. غير أن فريقا من المشاركين رأى أن إعفاء الأموال المحرمة من الزكاة فيه تشجيع وإعفاء لمرتكبي الأنشطة المحرمة مما يساعد على استمرارهم في أنشطتهم المحرمة، كما يعطيهم مزايا تنافسية مع المؤسسات ذات الأنشطة غير المحرمة .. كما رأى البعض أن المشتقات ليست محرمة مطلقا، وإنه لا يصح تجاهل الواقع السيء حتى يكبر ويستفحل ويصعب التخلص منه، وإنما لا بد من وضع الضوابط والمحددات الشرعية لهذه المشتقات والعمل على تطبيقها .. ومن جهة أخرى فإن المال الحرام هنا ليس محرما بذاته ، وإنما هو محرم على من اكتسبه وبالتالي فإن محله الصحيح هو الجهات الخيرية .
بحث موضوع زكاة عقود الامتياز وتم الاتفاق على أن مانح الامتياز وهو الدولة ليس عليه زكاة أما المنفذ للعقد فيزكي بعد تشغيل المشروع وحصول الإيرادات وخصم النفقات والمطلوبات زكاة عروض التجارة، واقترح البعض ونظرا لأهمية هذه العقود، في التنمية وما توفره من فرص عمل للمواطنين ، فإنه ينبغي النظر في إمكانية إعفائها من الزكاة تشجيعا لها وتحقيقا لمصلحة المجتمع .. فإذا كانت هذه العقود ، وخاصة عقود BOT بناء- تشغيل – تحويل ، تقدم للمجتمع مشروعات ضخمة لا تستطيع الحكومات تقديمها ، بحيث تسهل على الناس حياتهم ، فقد تكون المبررات قوية عند إعفائها من الزكاة .
إن المقصد من الزكاة هو نفع المجتمع وزيادة التشغيل وإعادة أصحاب الحرف المعسرين إلى حرفهم وإزالة عجز العاجزين ، ولذلك ليس في الزكاة حظ لغني ولا لذي مرة سوي ، لأن الأقوياء يجب أن يعملوا ويكسبوا ، ولا ينتظروا المعونات من الآخرين .. ومن هنا فإن إيجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل يعتبر هدفا ساميا من أهداف الزكاة .
أما تزاحم الأسباب الموجبة للزكاة فقد تم الاتفاق على أنه لا يجوز أن تفرض الزكاة على المال مرتين ، وعند التزاحم يلجأ إلى السبب الذي يحقق حصيلة أعلى لمصلحة الفقراء ومصارف الزكاة الأخرى ..
إن عقد الندوات والمؤتمرات والملتقيات والورش التدريبية حول قضايا الزكاة يسرع في إعادة إحياء هذه الفريضة في المجتمعات المعاصرة .
إن تطبيق الزكاة في المجتمعات المعاصرة كفيل وحده بضبط عمليات الطلب بحيث تكون آثارها زيادة في الاستقرار الاقتصادي ، فالزكاة تعمل على نقل النقود ذات المنفعة الحدية المنخفضة إلى الفقراء فتصبح ذات طاقة عالية ومنفعة حدية مرتفعة .
كما تعمل على تحفيز الطلب من خلال انتقال الأموال من أشخاص ذوي ميول استهلاكية حدية منخفضة إلى الفقراء أصحاب الميول الحدية الاستهلاكية المرتفعة والتي تعمل على زيادة الطلب وبالتالي زيادة التشغيل والانتاج والدخل ..
إن الزكاة هي أهم أدوات التعبير عن التكافل والتراحم في المجتمعات الإسلامية وهي البلسم الشافي لجراح ضحايا الحروب والكوارث والمجاعات ، وبالتالي فلا بد من الأخذ بكافة الوسائل والأدوات العصرية من أجل تفعيل أدوات وآليات إحيائها ، وتجديد طرق توزيعها بما يضمن وصولها إلى الفئات الأكثر حاجة وفقرا .
إن أي مجتمع لا يمكن أن يتقدم إلا إذا عالج مشكلة الفقر وتم توفير لقمة العيش لكل إنسان أو الاحتياجات الدنيا للجميع ودون ذلك لا يمكن أن يتقدم المجتمع وتتحقق التنمية .
والزكاة كمعجزة تشريعية شرعت لتحقيق هذا الغرض أولا .. فأية فتاوى أو اجتهادات تحول دون أداء الزكاة لدورها في تخفيف حدة التفاوت وتوفير الاحتياجات الدنيا للجميع ، فهي فتاوى باطلة مضللة .