الحرية والتنمية أ.د كمال حطاب
الحرية والتنمية
أ.د كمال حطاب
حقق النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة أعلى درجات التقدم الإنساني التي عرفتها البشرية ، وذلك بوصول الإنسان إلى أعلى درجات الرقي الروحي والكرامة الإنسانية .
ولم يتحقق ذلك صدفة أو بطرق سهلة آمنة مفروشة بالورود والرياحين ، وإنما تحقق بالإعداد والبذل والتضحية والفداء .
عمل النبي صلى الله عليه وسلم على تحقيق التنمية من خلال تحرير الإنسان من عبودية الإنسان والارتقاء به نفسيا ومعنويا وإعلاء شأنه باتصاله بالله عز وجل ، وفوق ذلك بتوجيهه نحو استثمار طاقاته بما ينفع نفسه وأهله ومجتمعه .
إن التنمية الحقيقية ليست تنمية التبعية للغرب أو الشرق ولا تنمية المديونيات التي يستفيد منها المتنفذون على حساب شعوبهم ولا تنمية الاستهلاك الترفي الذي يزيد في الانهزامية والاعتماد على الآخرين . وإنما التنمية الحقيقية هي تنمية الإنسان بحرية وكرامة ، تمكنه من تحقيق كفايته الذاتية بالاعتماد على النفس ، واستمداد الطاقة من تاريخه وعقيدته وقرآنه وسنة نبيه .
إن التنمية تتطلب وجود الدافع والحافز على الإنجاز والتفوق ، وليس بالضرورة أن يكون الحافز دنيويا بحتا ، وإنما قد يكون من خلال ثوابه الأخروي ، إيثار مصلحته الدائمة على المصلحة الفانية ، وهذا ما عمل عليه النبي صلى الله عليه وسلم عندما سوق لسلعة الله بقوله ” ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة”
إن التنمية تتطلب الإعداد المعنوي قبل الإعداد المادي ، فالروح المعنوية والقيم والمبادئ هي التي تدفع الإنسان إلى العمل والتضحية والإخلاص والتفاني في سبيل وطنه وأمته .
إن من أهم متطلبات التنمية تعزيز ثقافة الحرية والكرامة والتحدي ، فالإنسان الذليل المقهور لا يمكن أن يحقق تنمية ولا تقدم ولا رفاهية ، وإنما يحقق مزيدا من الخنوع والذل والتخلف .
إن التنمية الحقيقية تتطلب العزة والكرامة التي تولد الحرية والدافعية إلى العمل والإنجاز والتقدم ، وبدون هذه المعاني لا يمكن أن تتحقق التنمية .,
ها هي اليابان في العصر الحديث وصلت إلى الحضيض في الحرب العالمية الثانية ، بعدما ضربت بالقنابل الذرية فتحطمت واستسلمت ، فماذا حدث بعد ذلك، سرت فيها روح الكرامة والعزة والتحدي الاقتصادي والعلمي حتى تفوقت في الوقت الحاضر على أمريكا في كثير من الصناعات .
وها هي ألمانيا خرجت من الحرب محطمة مهزومة ، ولكن روح الإصرار والتحدي جعلتها تعيد بناء ما دمرته الحرب وتواصل مسيرة التقدم .
إن صناعة الأجيال الحرة الكريمة ، وغرس قيم التحدي والكرامة والحرية والاستقلال ، والتخلص من كافة أشكال التبعية والانهزامية ، هي الخطوات الأولى للتنمية في أي مجتمع بشري .