التغيير والتنمية أ.د كمال حطاب
التغيير والتنمية
أ.د كمال حطاب
لعل من أهم المعاني اللغوية للتنمية ، الزيادة الإرادية الإيجابية لشيء من الأشياء المادية والمعنوية ، وفي مجال الإنسان ، فإن زيادة الإيجابيات والتقليل من السلبيات أو زيادة الخير والتقليل من الشر ، هو من المعاني التي تقترب كثيرا من هذا المفهوم .
ومن المصطلحات الإسلامية التي تقترب أو ترادف مصطلح التنمية ، مصطلح الإعمار وقد أشار ابن تيمية إلى أن مفهوم الإعمار يشتمل على : الإقبال على الخير بالارتقاء بالصالح كما ونوعا . كما يشمل الامتناع عن الشر : بعدم إفساد الصالح ، وعدم الارتقاء بالفاسد كما ونوعا .
إن هذه المعاني السابقة تشير إلى ضرورة توفر الإرادة والعزيمة والخطوات العملية التي تحدث التغيير الإيجابي المطلوب .
إن التغيير يتطلب معرفة المنظومة القيمية والمفاهيمية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية والتربوية والاقتصادية التي يعيشها الناس في أي مجتمع ، ومن ثم يمكن أن تنجح نظريات التنمية وآلياتها بعد الإلمام بهذه المكونات جميعا ، ومراعاتها في تطبيق آليات التنمية .
وبدون ذلك فلن تتحقق التنمية ولا شروطها ، ولا آثارها ولن نجد للمفاهيم والنظريات والاستشارات التنموية الدولية أي أثر أو صدى ..
إن من أهم مستلزمات تحقيق التنمية وجود الإرادة للتغيير ، ولذلك جاء قوله تعالى ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” ، ولن يوجد التغيير ما لم توجد قوة دافعة للتغيير ، ولذلك كان الأمر بالإعداد والاستعداد في قوله تعالى ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ”
والإعداد في الآية يشتمل على ثلاث مراحل ، المرحلة الأولى تشتمل على تهيئة الظروف المناسبة للموارد البشرية وإعدادها وتزويدها بأعلى درجات التدريب والمهارة بما يزيد من كفاءتها وقدراتها ، كما يشتمل على اعداد البنية الأساسية بما يتناسب مع المشروعات اللازمة للنهوض والارتقاء بالمجتمع بما يمكنه من تحقيق الاكتفاء الذاتي في كافة المجالات الأساسية الصناعية والزراعية والتجارية .
أما المرحلة الثانية من مراحل الإعداد : فتشمل استفراغ الوسع واستنفاذ الطاقة : وذلك باستخدام الموارد البشرية والطبيعية الاستخدام الأمثل الذي يحقق أفضل إنتاجية مع المحافظة على حقوق الأجيال القادمة من الموارد . ومعنى ذلك ضرورة استخدام الموارد الطبيعية والمالية والبشرية بأقصى طاقة ممكنة ، ولكن دون أن يؤدي إلى الاستنزاف أو النضوب أو الاستخدام الجائر لأن للأجيال القادمة حقوقا في هذه الموارد ..
وفي المرحلة الثالثة : الوصول إلى أقصى درجات القوة :فقوله تعالى ” ما استطعتم من قوة ” يعني كافة أشكال القوة ، القوة العلمية والتكنولوجية ، القوة الاقتصادية ، القوة العسكرية ، وحتى القوة التفاوضية التي تتطلب التنسيق والتشاور ، واكتساب كافة المهارات الدبلوماسية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية والاقتصادية والمالية ..
إن التغيير الذي يؤدي إلى التنمية هو التغيير الذي يبدأ بالإعداد القوي في كافة المجالات ، فبدون كسب القوة بكافة أشكالها ومصادرها لن تحدث التنمية .
إن وجود الإرادة والعزيمة على الإعداد والتغيير هو الشرط الأول الذي يمكن الانطلاق منه لتحقيق التنمية ، أما الاعتماد على الوصفات المستوردة والقروض الدولية فلن تحقق تنمية أو تقدما وإنما تبعية وتخلف وهوان .