عودة إلى الصفحة الرئيسية

اجتماعات البنك الدولي ومؤسسات الصناعة المالية الإسلامية أ.د كمال حطاب

البنك الدولي للإنشاء والتعمير سيء السمعة ، عدو الفقراء في العالم ، كُتبت عنه عشرات بل مئات الكتب تفضح دوره المشبوه في حماية أصحاب النفوذ المالي واستغلال الشعوب ، دون أن يكترث لحال الفقراء في العالم .. مشاريع البنك الدولي في كثير من دول العالم ، كما ورد في كتاب ” صناعة الجوع ” والتي كانت موجهة لحفر الآبار ودعم القطاع الزراعي ، ذهبت كلها لصالح أصحاب النفوذ المالي والسياسي والأمني ، وكذلك وردت أمثلة أخرى في كتاب فخ القروض الخارجية ، وكتاب ” كيف يموت النصف الآخر من العالم ” وغيرها من الكتب والدراسات .
هذا البنك الدولي تحاول مؤسسات الصناعة المالية الإسلامية تجميل صورته وصورتها بعقد اجتماعات مشتركة دورية معه ، ولا أدري أيهما يجمل أم يقبح الآخر ؟ المجلس العام للبنوك الإسلامية ، مجلس الخدمات المالية الإسلامية ، هيئة التحكيم المالي الإسلامي ، أيوفي ، البنك الإسلامي للتنمية .. إلخ ما لهم وللبنك الدولي سيء الذكر ؟ هل يمكن لهذه المؤسسات أن تعدل من سلوك البنك الدولي ؟ أو تشرح صدره لمصلحة الفقراء ؟ أو تعزز القيم والأخلاق في سلوكياته ؟ هل يمكن تعديل سلوك المرابي الأكبر في العالم ؟
مما لا شك فيه أن البنك الدولي يحاول تجميل صورته القبيحة والتي انغرست في أذهان الشعوب الكادحة منذ تأسيسه حتى وقتنا الحاضر .. فهو يحاول إضافة معايير اجتماعية وبيئية أحيانا وأحيانا أخرى يرفع شعار حقوق الإنسان وغالبا ما كان يرفع شعار مكافحة الفقر ، ويدق نواقيس الخطر من أجل محاربة الفقر .. غير أن الشعارات والكلمات لم تكن مدعومة بالأفعال دائما .. فهل هناك تغيرات في الوقت الحاضر؟ وهل شعر البنك الدولي أخيرا أنه بحاجة إلى لمسات إنسانية تجميلية ؟
أما مؤسسات الصناعة المالية الإسلامية فإذا التمسنا لها العذر فإننا نقول ربما تحاول تذليل العقبات التي تعترضها على المستوى الدولي من خلال هذه الاجتماعات ، وربما تحاول تدويل التمويل الإسلامي ليكون له صفة دولية ، وربما تحاول أن تكون مؤثرة على مستوى التسويات والمدفوعات الدولية ، وربما تحاول أن تثبت للعالم الغربي بشكل خاص صدق نواياها وحسن تعاملها وعدم تمويلها أنشطة مشبوهة ، وربما كانت تعمل على أن تكسب مقاعد دائمة في المحافل المالية الدولية ، وربما كانت تحاول إقناع البنك الدولي بإلغاء التعامل بالفائدة والتعامل بعوائد المشاركة !! .. هذه بعض المبررات ، وربما يوجد غيرها .
غير أن مثل هذه الاجتماعات تشوبها العديد من الشبهات ، منها أن هذه المؤسسات المالية الإسلامية تضفي على البنك الدولي المشروعية أمام شعوب وحكومات العالم الإسلامي أو هي تشاركه في الظلم العالمي الذي يمارسه ولا يزال مستمرا في ممارسته ، كما أنها تشاركه في مشروعية تطبيق الفوائد الدولية المركبة واستغلال ونهب شعوب العالم الثالث .
إن الشعارات التي تعقد تحتها هذه الاجتماعات هي شعارات براقة ظاهرها الحرص على الكفاءة والحوكمة والشفافية والإفصاح والمهنية والمسؤولية الاجتماعية والبيئية ، ولكنها في باطنها تخفي الحرص على استرداد الديون وفوائدها المضاعفة بأقصر الطرق وأقل الجهود .. وتقديم القروض الدولية لمن تتوفر فيه إمكانات الوفاء بهذه الشروط ..
إن معظم المعايير المالية الدولية لم توضع بقصد تحسين حياة البشر أو الارتقاء بحقوق الإنسان أو التكافل العالمي وإنما وضعت بقصد ضمان تحقيق أعلى الأرباح واستمرارية كفاءة المؤسسات بتقديم القروض مع الحد الأدنى من المخاطر واستمرارية سداد الديون مع الحد الأعلى من الأرباح للدائنين .
وبناء على ما تقدم ، فإنه لا بد من إعادة تقييم للمشاركة في هذه الاجتماعات ، والمحافظة على استقلالية الهوية الإسلامية لهذه المؤسسات المالية الإسلامية .

أكتب رداً:

You must be logged in to post a comment.

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]