الاقتصاد الإسلامي وراكبو الأمواج أ.د كمال حطاب
في بدايات دراستنا للاقتصاد الإسلامي في بداية الثمانينات من القرن الماضي ، كان لدينا أستاذ فاضل ، جاد في طروحاته وأفكاره ، أصيل في عطائه ، مخلص في أدائه ، وكان يكرر على مسامعنا كلما رأى كثرة المتحدثين باسم الاقتصاد الإسلامي ، وكثرة المؤلفات والكتب التي تنزل إلى الأسواق ، بأن الاقتصاد الإسلامي أشبه بموجة يركبها كل مغامر .
وفي الوقت الحاضر وبعد ظهور عشرات بل مئات المنتديات المتحدثة باسم الاقتصاد الإسلامي ومئات بل آلاف المؤتمرات المنعقدة باسم الاقتصاد الإسلامي وما يندرج تحته من صيرفة إسلامية ووقف وزكاة وأموال أيتام .. إلخ ، وظهور مئات بل آلاف الشهادات العليا الماجستير والدكتوراه باسم الاقتصاد الإسلامي ، ماذا يمكننا أن نقول حول تلك العبارة ؟ ألا يزال يوجد بعض راكبي الأمواج في دراسة الاقتصاد الإسلامي ؟ هل أصبح الدارسون للاقتصاد الإسلامي في الوقت الحاضر أكثر واقعية ممن سبقهم من الدارسين ؟ هل اتضح أمام الدارسين لهذا التخصص مستقبل التخصص وأهدافه ووظائفه ؟ هل وجدت وظائف محددة متنوعة يمكن أن يشغلها الدارسون لهذا التخصص ؟
لا شك أن التعليم في هذا العصر تحركه قوى السوق كما تحرك كافة الأنشطة الاقتصادية والعلمية وغيرها ، وهذا يعني أن الطلب على هذا التخصص لا يزال في ازدياد نظرا لازدياد قيمته أو قوته في السوق .. ولا شك أن الفعاليات التعليمية سوف تتراجع عن هذا التخصص عندما يصبح عرض الخريجين أكبر من الطلب عليهم .. وهذا التحليل يكون في حالة ثبات العوامل الأخرى .. أما في ظل السياسات التعليمية التي تمارسها وزارات التعليم العالي في الدول العربية، فإن قيام الوزارة أو الحكومة بتوظيف الخريجين من أي تخصص سوف يزيد الطلب عليه ، وامتناع الحكومة عن التوظيف سوف يفقد هذا التخصص قيمته .. وهكذا نجد أن قوى السوق لا تستطيع أن تعمل في ظل سياسات حكومية تفضيلية لبعض التخصصات على تخصصات أخرى. ومما يؤسف له أن معظم حكومات الدول العربية لا تعطي أولوية حتى الآن ، لدارسي تخصص الاقتصاد الإسلامي.
وبناء على ما تقدم ، فإنه لا يمكن أن يترك أهل التخصص مخرجات تخصصهم لقوى السوق أو لسياسات الحكومات أو لحركة الأمواج ، فلا بد من وجود مؤشرات تقيس نسبة النمو في التخصص وفروعه التطبيقية، ومدى حاجة المجتمع له، ولا بد لأهل التخصص من ابتكار فروع تطبيقية لهذا التخصص تستوعب الخريجين وتعمل على توظيف مهاراتهم في خدمة المجتمع، ولا بد لأهل التخصص أن يتحكموا في قرارات التوسع أو التضييق في هذا التخصص، بحيث لا يتم السماح بالتوسع في أوقات الإشباع والركود، ويسمح بذلك في أوقات الحاجة والطلب المتزايد.
إن مسؤولية توظيف الخريجين والاستفادة من دراساتهم في خدمة المجتمع، هي جزء من مسؤولية المؤسسات الأكاديمية التي تبنت هذا التخصص، كما أنها جزء من مسؤولية الأكاديميين ومراكز الدراسات التي تقوم بمتابعة وتقييم وتطبيق هذا التخصص.
ولن يتطور أي علم إذا لم تكن الجوانب السابقة محل عناية واهتمام من قبل الأكاديميين ومؤسساتهم ومراكز البحوث والدراسات، فضلا عن اهتمام الحكومات وتبنيها لهذا التخصص.