أموال الهيلوكوبتر والدول العربية أ.د كمال حطاب [email protected]
أموال الهيلوكوبتر والدول العربية
أ.د كمال حطاب
اقترح ميلتون فريدمان الاقتصادي الأمريكي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد أن يتم إلقاء النقود من خلال طائرة الهيلوكبتر على الناس ، وذلك في أوقات الأزمات ، وأشاد بهذا الاقتراح لاحقا بن برنانكي مدير الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأسبق . فهل كان فريدمان جادا في هذا الاقتراح أم أن الأمر كان على سبيل التمثيل والتبسيط ؟
يبدو أن فريدمان كان يحاول تبسيط فكرة أثر النقود على التضخم ، ولكن برنانكي والسياسيين من بعده لم يكونوا كذلك حيث وجدوا في هذه الفكرة حلا لمشكلات الانكماش الاقتصادي .
أطلق لاحقا على أموال الهيلوكوبتر ” التيسر الكمي ” ، لأن أوجه الشبه بينهما كبيرة ، حيث يستطيع الاحتياطي الفيدرالي أن يصدر من العملة ما شاء وبلا حدود ، هذا ما أعلنه مدير الاحتياطي الفيدرالي فرع مينابوليس نيل كاشكاري في برنامج ستون دقيقة بتاريخ 27-3-2020 عندما قال بأن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يتمتع بسلطة غير محدودة لتوليد النقد بكميات غير محدودة ، “فلا نهاية لقدرتنا على طباعة النقود ، والأمر ببساطة أن لدينا موافقة وطلب من الكونغرس لفعل ذلك ”
من بدهيات الأدب النقدي أن زيادة النقود إذا لم يصاحبها زيادة في الإنتاج فإن هذه الزيادة في كمية النقود ستتحول إلى ارتفاع في الأسعار وزيادة في التضخم .. ولكن المشاهد عالميا أن الولايات المتحدة قد زادت في طباعة الدولار منذ 2008 إلى 2020 حوالي 7 تريليون دولار ، ومع ذلك بقي التضخم قريبا من 2% خلال هذه الفترة ، فما هو السر وراء ذلك ..
إن طباعة الدولار ليست لاستخدامه داخل أمريكا فقط ، وبالتالي فإن هذه العملة تجوب العالم بحثا عن الثروات
المعدنية والنفطية والذهب وكافة أشكال السلع والخدمات ، فجميع أسواق العالم هي سوق للدولار .
هل يمكن للدول العربية أن تطبع من العملة ما تشاء ؟ وما الذي يمنعها من فعل ذلك ؟ ولماذا يمكن للبنوك المركزية في أمريكا وأوروبا واليابان والصين وبقية الدول المتقدمة أن تفعل ذلك ؟ ولا يمكن للدول العربية ؟
إن الدول السبعة العظام كما يطلق عليها G7 لديها اتفاقات نقدية ، تستطيع التنسيق فيما بينها في هذا المجال بما يضمن استمرار الاستقرار النقدي العالمي ، وبما يضمن استمرارية بقاء العملات الصعبة ، العملات الأقوى والقابلة للتحويل من قبل جميع الدول .
ومن جهة أخرى فإن هذه الدول هي الدول صاحبة الحصص الكبرى في صندوق النقد الدولي ، وهذا يعني أنها القادرة على التصويت واتخاذ القرارات التي تصدر عن الصندوق ..
ومن المعلوم أن من أهم مهام صندوق النقد الدولي مراقبة أسعار صرف العملات ، وتنظيم الاتفاقيات والقواعد الخاصة بأسعار صرف العملات وتسيير المدفوعات الدولية .
ومن جهة ثالثة فإن هذه الدول تقوم بالإصدار بعد الحصول على موافقة البرلمان أو الكونغرس كما في أمريكا وفي ظل سيادة الحوكمة والشفافية والإفصاح ، وتحت مراقبة وسائل الإعلام .
أما في حالة الدول العربية فليس لديها أي اتفاقات نقدية فيما بينها ، ولا يمكن لأي دولة منفردة أن تفعل ذلك إلا إذا أرادت لعملتها أن تتدهور قيمتها إلى ما لا نهاية .. كما أنها ضعيفة جدا من حيث الحصة وقوة التصويت في صندوق النقد الدولي ، وبالتالي فلا تأثير لها على اتخاذ القرار في هذا الصندوق ، ولذلك لا بد من موافقة صندوق النقد الدولي قبل التفكير بالقيام بمثل هذه الخطوة .
يمكن للدول العربية أو الإسلامية أن تفعل ذلك في حالة تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية الموحدة العربية أو الإسلامية ، ويمكن لها أن تعمل على إطلاق الدينار العربي الموحد أو العملة الإسلامية الموحدة .
يمكن لهذه الدول أن تفعل ذلك إذا ما اتفقت على زيادة قوتها التفاوضية والتصويتية في المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي ..
وبغير ذلك فستبقى عملات هذه الدول تابعة لعملات الدول المتقدمة ، وستبقى قيمها تتقلب وتتدهور تحت أدنى أزمة مالية واقتصادية .