عودة إلى الصفحة الرئيسية

متى يمكن للدول العربية أن تقول لا ؟ أ.د كمال حطاب [email protected]

متى يمكن للدول العربية أن تقول لا ؟
أ.د كمال حطاب
في التسعينات ألف مهاتير محمد باني نهضة ماليزيا كتابا بعنوان ” آسيا التي تستطيع أن تقول لا ” وبالفعل طبق مهاتير محتوى هذا الكتاب عمليا عندما رفض توصيات صندوق النقد الدولي ، وقرر الاعتماد على نفسه وحكومته وشعبه ، ووضع تعليمات صارمة ضد خروح العملات الأجنبية، بعد أن خرجت الاستثمارات الأجنبية من ماليزيا ، وتعاون شعبه معه في المحافظة على العملات الأجنبية وعدم إخراجها إلا للضرورة القصوى . ونجح مهاتير في المحافظة على قيمة العملة من الانهيار .. وأشاد صندوق النقد الدولي بنجاحه بعد عدة سنوات .
هل يمكن للدول العربية المدينة أن تقول لا لصندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات المالية الدولية ؟ متى يمكن لأصحاب الملايين أو المليارات العرب أن يعيدوا أموالهم وما يمتلكونه من عملات أجنبية إلى بلدانهم .. متى يمكن لقوانين الاستثمار في الدول العربية أن تكون آمنة مشجعة لأصحاب رؤوس الأموال العرب قبل غيرهم ، للعودة للاستثمار في بلدانهم .
إن أسهل طريقة اعتادت عليها معظم الحكومات المدينة ، من أجل سد العجز وتمويل الإنفاق هي زيادة الاستدانة أولا والضرائب ثانيا .. والعمل بكل قوة من أجل جدولة الديون مهما كانت الشروط ومهما تضاعفت الفوائد .. وهكذا عندما تنجح أي حكومة في جدولة الديون تعتبر نفسها قد قامت بما لم تستطعه الأوائل .
إن معظم الحكومات المدينة تعتمد هذا الأسلوب الذي يزيد في المديونية العامة للدولة والشعب ، ويزيد في الأقساط والفوائد المترتبة على هذه الديون .
فمتى يمكن أن تأتي حكومات تغير من هذه الأساليب ؟ هل يمكن أن تأتي حكومات تعتمد على نفسها وتعزز الثقة مع شعوبها بما يزيد من تدفق رؤوس الأموال العربية والأجنبية ؟ هل يمكن أن تأتي حكومات تعمل بكفاءة وإخلاص وشفافية ونزاهة على تشجيع الاستثمار الوطني .
هل يمكن أن تأتي حكومة تكون مثالا يحتذى للشعوب بالوطنية الحقيقية القائمة على التضحية والإيثار والعدالة ؟ وتقوم بإشهار الذمة المالية لجميع المسؤولين ، والمطالبة بأموال الفاسدين المهربة إلى الخارج ، هل يمكن أن توجد حكومات يتجرد أعضاؤها عن المتطلبات الشخصية من مزايا ومياومات وانتدابات ..
هل يمكن أن يأتي يوم يزهد الناس فيه بمنصب الوزير ؟ لأنه لا يحقق مزايا أو مكاسب لصاحبه ؟ هل يمكن أن يزهد النواب في الترشح نظرا لانعدام المزايا والمكتسبات ؟ متى يمكن أن تنتقل هذه الوظائف والمناصب من مناصب تشريفية إلى مناصب تكليفية ؟ وتكون أعباؤها أكبر بكثير من مكاسبها ؟ ويوصف من يشغلها بأنه قد باع نفسه ووقته وحياته لله ثم للشعب ..
عندما يوجد مثل هؤلاء ، وعندما توجد فئة من المسؤولين ، مستعدة للتضحية والعطاء في سبيل البلد وفي سبيل خدمة الشعب .. عندها يمكن أن تكون الدولة قوية عزيزة ، لأنها تعتمد على نفسها وعلى شعبها ، وعندها فقط يمكن أن تقول لصندوق النقد الدولي لا وألف لا ، كما فعلت ماليزيا ذات يوم .

أكتب رداً:

You must be logged in to post a comment.

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]