تبرعات المشاهير لن تنقذ العالم .. أ.د كمال توفيق حطاب
تبرعات المشاهير لن تنقذ العالم
أ.د كمال توفيق حطاب
في كتابه ” الفائزون يأخذون كل شيء .. ” والذي كان من أكثر الكتب مبيعا في عام 2019 ، شرح المؤلف الأمريكي غيريد هارداس كيف يتحول العمل الخيري الذي يقوم به أصحاب المليارات في العالم لخدمة مصالحهم ، وكيف يستخدمون ثرواتهم للحفاظ على الأنظمة التي تركز الثروة بيد القلة ، على حساب بقية المجتمع .
فهم يستطيعون التهرب القانوني من الضرائب من خلال التبرعات لمؤسساتهم الخيرية التي يديرونها ويستفيدون منها في كل شيء ، كما يمكنهم التأثير في صناعة القوانين أكثر من قدرة المشرعين أنفسهم على ذلك .
ومن خلال التأثير في القوانين يستطيعون الحصول على إعفاءات ضريبية ، كما يتمكنون من الاستحواذ على مراكز القوة في البلاد من خلال حصولهم أو من يمثلهم على أهم المناصب الحساسة ..
ومن جهة أخرى فإن معظم أصحاب المليارات ومن خلال تبرعاتهم الإعلامية للجامعات والمستشفيات يشبعون غرائزهم التي تتطلب تخليد أسمائهم في صحائف الشرف وتمجيد ذواتهم ضمن صناع التاريخ لأممهم .
ولكن هذه التبرعات الاستعراضية لا تنقذ العالم من المجاعات ولا تسهم في حل المشكلات الأساسية التي تتعرض لها مناطق عديدة في العالم .
كنت قد قرأت قديما كتاب ” الجوع أقصر طريق إلى يوم القيامة ” وكتاب ” صناعة الجوع خرافة الندرة ” وكتاب ” كيف يموت النصف الآخر ” ، وغيرها من الكتب الأجنبية التي تتحدث حول موضوعات قريبة من موضوع الكتاب الأول . وتوضح حجم الاختلال والاستغلال والتبديد والاستنزاف الذي تمارسه معظم الشركات الكبرى العالمية .
إن معظم أصحاب المليارات ومن خلال شركاتهم ومصانعهم ، قد تسببوا في زيادة نسبة التلوث في العالم كما تسببوا في زيادة الإشعاعات الضارة ، وفي زيادة التصحر وتوسع طبقة الأوزون وزيادة المخلفات النووية والكيميائية الضارة بالبيئة وزيادة الحروب والنزاعات الدولية وانتشار أسلحة الدمار الشامل ..
إن معظم أصحاب المليارات ، وسعيا وراء زيادة ملياراتهم لم يتورعوا عن ارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية وضد البيئة والكائنات الحية الأخرى الموجودة في الطبيعة .
فمهما بحثنا عن مشكلات أو أزمات في هذا العالم سوف نجد من هؤلاء الجشعين من يقف وراءها حقيقة ، رغم أنه يظهر للعالم أنه من كبار المتبرعين الكرماء الأسخياء ، ويسجل اسمه في سجلات الشرف والأخلاق الحميدة .
ولا يعني ما تقدم أن كافة الأعمال الخيرية على مستوى العالم هي أعمال مشبوهة ، ولكنه يشير إلى أن النسبة العظمى من أصحاب المليارات يخفون حقيقتهم تحت ستار الأعمال الخيرية ، من حق هؤلاء أن يقدموا مصالحهم على مصالح الآخرين ، ومن حقهم أن يشبعوا احتياجاتهم ورغباتهم المشروعة ، ولكنه ليس من حقهم أن يهددوا البشرية بسبب أهوائهم وهوسهم ، ليس من حقهم أن يمارسوا أبشع أشكال الاستغلال والاستبداد والاستنزاف والتبديد بحجة أن هذه أموالهم يفعلون بها ما يشاؤون .. ليس من حقهم أن يمارسوا أبشع أشكال الجريمة والرذيلة والفاحشة والفساد بحجة الحرية الشخصية ..
إن الإسلام يحث على العمل الخيري ويجعل له جزاء عظيما في الدنيا والآخرة ، ولكنه في نفس الوقت لا يطلب من أصحاب المليارات إنقاذ العالم ، وإنما يطالبهم بأداء حقوق المال ، والالتزام بالنزاهة والشفافية والسلوك الأخلاقي الإنساني ، والتقيد بالقوانين الدولية الإنسانية ، التي تنص على المحافظة على حقوق الإنسان وعلى البيئة والأرض من السموم الكيماوية والنووية والغازات السامة .. إلخ
إن الإسلام لا يطلب من أصحاب المليارات من المسلمين ، التنازل عن أموالهم ما داموا قد اكتسبوها بطرق مشروعة ، ولكنه يطالبهم فقط بضرورة أداء الحقوق ، وفي مقدمتها إخراج زكاة أموالهم ، وهذه وحدها لو تم العمل بها ، لتغير حال المسلمين وحال العالم الإسلامي ..