” حرم دنانيرهم ” أ.د كمال حطاب
” حرم دنانيرهم ”
أ.د كمال حطاب
تروي كتب التاريخ الإسلامي ، أن ملك الروم بعث إلى عبد الملك بن مروان خليفة المسلمين في عام 76هــــ ، رسالة ، هدده فيها بكتابة ما يسيء إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم على الدنانير الرومية ، ومن المعلوم أن الدنانير الذهبية في ذلك الوقت كانت تضرب في بلاد الروم ، ومع مجيء الإسلام أقر النبي صلى الله عليه وسلم التعامل بهذه الدنانير ، وكذلك فعل الخلفاء من بعده إلى عهد عبد الملك بن مروان .
اغتم عبد الملك بن مروان ، واستشار الناس ، فأشاروا عليه ” حرم دنانيرهم ” يعني إعادة صهر هذه الدنانير ، وضرب النقود الإسلامية ، وقد تم ذلك على الفور ، حيث ضبطت السكة وأعيد ضرب النقود في دور ضرب إسلامية ، وجاءت النقود الإسلامية الجديدة أكثر نقاء وأضبط عيارا ، وعلى الوزن الشرعي الذي حدده النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال ” الوزن وزن أهل مكة ، والمكيال مكيال أهل المدينة ” .
“حرم دنانيرهم” .. لا مجال للتفاوض في مثل هذه الأمور .. الإساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم خط أحمر في حياة المسلمين على مر العصور ، ولا يمكن السماح لأحد أن يقوم بهذا الفعل ، تحت أية حجة أو ذريعة .
ويبدو أن هذه الإساءة لم تتوقف في حياته صلى الله عليه وسلم ، ولن تتوقف إلى قيام الساعة ، لقوله تعالى ” وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ” ( البقرة ، 120) ولقوله تعالى ” وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ” ( البقرة ،109 ) .
إن المسلمين في هذا العصر رغم ضعفهم وما أصيبوا به من تفكك وانقسام ، تجمعهم محبة رسول الله وتوحدهم وتقويهم وتزيدهم قوة وعزيمة للاتحاد والتضامن للذود عن عرضه صلى الله عليه وسلم .
إن المسلمين في هذا الزمان وقد اقترب عددهم من المليارين ، يمتلكون قوة عددية لا يستهان بها ، وهي تمثل أكبر قوة استهلاكية في العالم ، وبالرغم من سلبية الاستهلاك مقارنة بالإنتاج ، إلا أننا يمكن أن نستفيد من هذه القوة الاستهلاكية وذلك من خلال تفعيل سلاح المقاطعة السلمي لمنتجات كل من يسيء إلى ثوابتنا وديننا وقرآننا ونبينا ، وهو أمر واجب شرعا وقانونا وعقلا وخلقا وإنسانية .
إن الكثير من الحكومات والدول الإسلامية قد تمنعها السياسة ولغة المصالح أن تصرح بالمقاطعة ، ولكن الشعوب يمكنها أن تقوم بالمقاطعة دون مؤاخذة من أحد ، فهي حرية شخصية للفرد في أن يشتري هذه السلعة أو تلك ، أن يأكل هذا الطعام أو لا يأكله ، ولا يمكن لأحد أن يعترض على هذا الاختيار الشخصي .
” حرم دنانيرهم ” يستطيع المسلمون في الوقت الحاضر مقاطعة ” اليورو ” ولو فعلوا ذلك لكبدوا الاقتصاد الأوروبي خسائر فادحة ، كما يستطيعون تحويل حساباتهم من اليورو إلى أية عملة أخرى ، وكذلك الأسهم وغيرها من الأوراق المالية الأوروبية ردا على الإساءات التي يقومون بها بحق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وثوابتنا الإسلامية .
ينبغي أن تضع الشعوب خطوطا حمراء ، ومن خلال جمعيات حماية المستهلك أو اتحاد جمعيات حماية المستهلك على مستوى الدول العربية أو الإسلامية ، أو حتى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ، ولغة الهاشتاجات ، وغيرها من أدوات التواصل الاجتماعي ، بحيث تتم مقاطعة كل من أساء لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو لقرآننا أو أي من ثوابت ديننا التي لا يمكن أن نعطي الدنية فيها .
ينبغي أن يوجد ميثاق بين هذه الشعوب على أن يتم تفعيل المقاطعة كلما تجرأ حاقد أو حاسد على الإسلام وأهله ، بحيث يحسبوا للمسلمين ألف حساب ، ويراجعوا حساباتهم وخسائرهم ، قبل أن يقدموا على أي خطوة إساءة غبية حاقدة . ” وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا” ( الإسراء ، 8 )