حرب العملات والتضليل الإعلامي أ.د كمال حطاب
حرب العملات والتضليل الإعلامي
أ.د كمال حطاب
لماذا يعتبر الإعلام خفض قيمة الدولار سياسة نقدية رشيدة للولايات المتحدة أما خفض قيمة اليوان الصيني فيعد حربا تجارية صينية ضد الولايات المتحدة ، بينما خفض قيمة الليرة التركية فيعد تدهورا أو انهيارا اقتصاديا سيؤدي إلى كوارث ؟
مما لا شك فيه أن الدولار يتربع على عرش العملات العالمية منذ ما يزيد على سبعين عاما ، وأنه العملة الدولية الأولى الأكثر طلبا على مستوى العالم .. كما أنه العملة الاحتياطية الأولى في العالم ، حيث يدخل في احتياطيات معظم دول العالم ، كما يشكل نسبة كبيرة في غطاء العملات المحلية في مختلف دول العالم ..
إن كل هذه المزايا للدولار هي في مصلحة دولة واحدة بالدرجة الأولى وهي الولايات المتحدة التي تصدر هذا الدولار وتتحكم في كميته وسعر صرفه ، بحيث ترفع سعر الصرف عندما تريد وتخفضه كذلك عندما تريد ، غير أن المتتبع لسعر صرف الدولار يرى أنه في انخفاض دائم تقريبا ، حيث يكون الارتفاع أحيانا لفترات قصيرة ثم ما يلبث أن ينخفض .. وهكذا فقد الدولار أكثر من نصف قيمته خلال السنوات العشرة الماضية ، ومقارنة بالذهب فقد الدولار أكثر من ثلث قيمته خلال الشهور العشرة الماضية .
إن هذا الانخفاض المستمر في قيمة الدولار يلحق الضرر بمعظم دول العالم باستثناء أمريكا ، نظرا لأنها تستطيع أن تطبع ما تشاء من هذا الدولار ، كما تستطيع الولايات المتحدة أن تستولي على معظم ثروات العالم وجهود شعوبه بهذا الدولار ، دون أن يعترض أحد أو يطالب أمريكا بأي مقابل لهذا الدولار .
إن هذا التخفيض المستمر لقيمة الدولار يعتبر في نظر الإعلام العالمي سياسة رشيدة للولايات المتحدة ، وذلك لأنها صاحبة الشأن في هذه المسألة ، وليس لأحد أن يقول شيئا غير التسليم ، ومن ثم تعديل أوضاعه وفق السياسة النقدية الأمريكية الرشيدة !!
أما لماذا يعتبر خفض قيمة العملة الصينية اليوان حربا اقتصادية ، فإن ذلك راجع إلى حجم صادرات الصين الهائل إلى الولايات المتحدة ومعظم دول العالم ، وهو أمر يتماشى مع قوانين منظمة التجارة العالمية ، ومع مبدأ ” دعه يعمل دعه يمر ” ، فعندما ينخفض سعر صرف العملة فمعنى ذلك زيادة حجم الصادرات بشكل فلكي بما يؤدي إلى تشكل فائض كبير للصين على معظم دول العالم بما فيها الولايات المتحدة . وهذا ما سبب حربا تجارية بين أمريكا والصين . وهذا ما شجع الإعلام العالمي على إثارة قضايا حقوق الإنسان في الصين بشكل مستمر .
أما خفض قيمة العملة التركية فإنه بسبب كثرة المضاربات عليها في الأسواق العالمية ، حيث أصبحت هدفا للمضاربين الدوليين من أجل تحقيق الأرباح .
فنظرا لانفتاح الاقتصاد التركي على العالم ، وزيادة التعامل بالليرة التركية على المستوى الدولي ، أصبح لزاما على البنك المركزي التركي أن يتدخل في الأسواق العالمية لحماية سعر صرف الليرة ، وعندما لا يستطيع البنك المركزي التركي شراء العملة المحلية من الأسواق العالمية فسوف تنخفض قيمتها ، إن شراء هذه العملة من الأسواق العالمية معناه ضخ كميات ضخمة من الدولار خارج تركيا ، وفي حالة عدم القدرة على ضخ هذه الكميات فإن سعر صرف العملة التركية سوف ينخفض ويواصل الانخفاض .
ومما لا شك فيه أن استقرار الليرة التركية يتطلب استقرار علاقات تركيا مع العالم أو كما كان شعار الأتراك سابقا ( صفر مشاكل ) ، ويبدو أن بوادر ومؤشرات الاستقرار في العلاقات مع أمريكا والدول الخليجية حاليا ، سوف تنعكس سريعا على قيمة الليرة التركية . .
كما أن استمرار تقدم الإنتاج التركي وزيادة النمو الاقتصادي ، وزيادة الصادرات ، سوف يزيد من قوة الليرة التركية ، ويحقق لها الاستقرار في قيمتها أمام العملات الأخرى .
أما مسألة التدهور والانهيار والخسائر الكارثية فهي مجرد حرب إعلامية ، وفي حالة المزيد من استقرار العلاقات الدولية ، فإن هذه الأبواق سوف تختفي ، وربما تنعكس مدحا وإشادة بالاقتصاد التركي والعملة التركية .