الاقتصاد الإسلامي.. أمل المظلومين أ.د كمال حطاب
منذ ما يقرب من أربعين عاما ونحن نعيش قضية الاقتصاد الإسلامي كأمل وحلم وحياة ، نعيش الاقتصاد الإسلامي في البيوت والجامعات والمكتبات والمراكز البحثية وقاعات الدرس ، ومن خلال المؤتمرات والورش العلمية ومناقشة الرسائل العلمية .. إلخ .
عشنا الاقتصاد الإسلامي كتخصص ، وكرفيق حياة ، حيث لا يكاد يمر يوم دون أن يطرق أسماعنا هذا الاسم ومرادفاته من تمويل إسلامي ووقف إسلامي ونظام مالي إسلامي ونظام نقدي إسلامي .. إلخ .
وفي كل يوم نزداد تفاؤلا بأن المستقبل للاقتصاد الإسلامي لأنه جزء من هذا الدين ، وقد تكفل الله عز وجل بحفظ هذا الدين ، كما تعهد بحفظ كتابه ، ويعني ذلك كل ما ينبثق عنه من مبادئ وأنظمة فرعية .
إن الاقتصاد الإسلامي اليوم وبالرغم من كثرة الضغوط على المسلمين يزداد قوة وانتشارا ، وتزداد فروعه ومجالاته ، ويزداد انتشاره ونفعه على مستوى العالم ، فها هي الأوقاف الإسلامية تنتشر على مستوى العالم كما كانت في العصور الزاهرة ، وها هي المنظمات الدولية تنظر إلى الزكاة وإعادة إحيائها كأمل للمسلمين في حل مشكلاتهم المستعصية ، إن الزكاة وحدها وهي نسبة 2.5% من أموال الأغنياء ، يمكن أن تحدث التغيير في مجال مكافحة الفقر والأوبئة وإغاثة اللاجئين والمشردين على مستوى العالم .
إن دخول مصطلحات الاقتصاد الإسلامي كالزكاة والوقف والمشاركة والمرابحة والمضاربة والسلم والاستصناع والصكوك .. في القواميس الدولية شكل إضافة معرفية كبيرة للأدب الاقتصادي ، كما أن انتشار العمل الخيري الإسلامي والإغاثة الإسلامية والأوقاف الإسلامية على مستوى العالم شكل انبعاثا للإشعاع الحضاري الإسلامي من جديد .
فالاقتصاد الإسلامي أمل المظلومين لأنه يرتكز على قوله تعالى ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون ” ( النحل ، 90 )
فهو أمل المظلومين لأنه يقوم على العدالة ، التي تعتبر الناس سواسية كأسنان المشط ، ولا تفرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود ، إلا بالتقوى .. العدالة التي تأخذ على يد الظالم حتى تأخذ الحق منه .. العدالة التي تعيد الحقوق لأصحابها ..
الاقتصاد الإسلامي أمل المظلومين لأنه يقوم على الكفاءة والإحسان ، الكفاءة التي تؤدي إلى الاستخدام الأمثل للموارد ، الكفاءة التي تحقق أعلى إنتاج من الطيبات بأقل وقت وجهد وتكاليف ، الكفاءة التي تؤدي إلى المهنية والإتقان والإحسان في كل عمل وإنجاز .
الاقتصاد الإسلامي أمل المظلومين لأنه يقوم على التكافل والتراحم ، كفالة الأقارب والفقراء والأيتام وكافة العاجزين عن كفالة أنفسهم ، وكذلك المعسرين والمتعثرين والغارمين ..
الاقتصاد الإسلامي أمل المظلومين لأنه يقوم على التطهر والتسامي والعفاف ، فلا مجال فيه لاقتصاديات الفاحشة والمجون التي تظلم المرأة وتحط من كرامتها ومكانتها .
الاقتصاد الإسلامي أمل المظلومين لأنه يحارب كافة أشكال المنكر من سلع محرمة أو ضارة أو سلوكيات مؤذية للإنسان أو البيئة .
وبناء على ما تقدم فإن المسؤولية الملقاة على كاهل المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي هي مسؤولية كبيرة من أجل تفعيل دور الاقتصاد الإسلامي في واقع الحياة ، من خلال تفعيل قيم وأخلاقيات العدالة والكفاءة والأمانة والعطاء والتضحية والبذل وإنظار المعسرين ومعونة الغارمين .. إلخ .
وكذلك المسؤولية كبيرة على مراكز البحوث والمعاهد والأقسام الأكاديمية في الجامعات والمؤسسات المالية الإسلامية من أجل تقديم الاقتصاد الإسلامي كأدوات وسياسات اقتصادية قادرة على معالجة المشكلات وتخفيف حدة الفقر والمعاناة للشعوب .
وتبقى المسؤولية الأكبر على المسؤولين والحكومات في الدول الإسلامية ، من أجل تفعيل وتطبيق آليات وسياسات الاقتصاد الإسلامي ، من أجل تخفيف معاناة وعذابات المحتاجين والمشردين واللاجئين ، ونصرة المظلومين في كل مكان .
إن سعي مدن عديدة في العالم ، لكي تكون كل منها عاصمة للاقتصاد الإسلامي ، أمر محمود ، وظاهرة إيجابية ، ومؤشر حقيقي على مكانة الاقتصاد الإسلامي ، وليس بعيدا أن نسمع قريبا عن تسابق دول بأكملها لتطبيق الاقتصاد الإسلامي وسياساته الرامية إلى تحقيق العدالة والكفاءة والتكافل والتخلص من الظلم والربا والغرر وكافة أشكال الفحشاء والمنكر والبغي .
إن كثرة المؤتمرات والورش والدورات العلمية والسيمينارات والبيمينارات في موضوعات الاقتصاد الإسلامي دليل صحة وحيوية على هذا العلم، وتعدد فروعه ومجالاته ، كما أن تزايد المشاركة والاهتمام من قبل فئات وأطياف واسعة في المجتمعات الإسلامية ، مؤشر قوي على مدى انتشار هذا العلم وقوة تأثيره وقابليته للتطبيق .
إن الاقتصاد الإسلامي هو أمل المظلومين والمشردين والضعفاء والفقراء على مستوى العالم ، من أجل تخليص الناس من عذاباتهم ومعاناتهم .
إن مبادئ الاقتصاد الإسلامي التي تقوم على العدالة والكفاءة والأمانة والقوة والنزاهة والشفافية والعطاء والمصداقية والمهنية كفيلة في حالة الالتزام بها بتحويل أفقر المجتمعات وأكثرها تخلفا إلى مجتمعات غنية متقدمة .