عودة إلى الصفحة الرئيسية

الاقتصاد الإسلامي والتخصصات الراكدة ؟؟ أ.د كمال حطاب

في عام 2005 تسلمت رئاسة قسم الاقتصاد والمصارف الإسلامية في جامعة اليرموك ، وفور تسلمي رئاسة القسم ، قمت بالتعاون مع الطلبة ، بوضع لوحة حائط ، وكان أول إعلان على اللوحة ، إعلان عن المواقع الإلكترونية أو العناوين والإيميلات لأكثر من مئتي شركة ومؤسسة معنية بالجوانب الاقتصادية والمالية الإسلامية .
كنت أُذكر الطلبة والطالبات في كل محاضرة بضرورة مراسلة هذه الشركات والمؤسسات من أجل التعرف عليها ومجالات عملها ، وكنت أحثهم على توجيه سؤال إلى المدير العام في كل شركة ، وهذا السؤال هو : كيف يمكن أن أخدمكم بعد تخرجي من الجامعة ؟ ما هي جوانب النقص التي يمكن أن أغطيها لديكم بعد تخرجي ؟ وكنت أحث الطلبة في جميع مستوياتهم الدراسية من السنة الأولى إلى الرابعة ، على استمرارية التواصل مع الشركات ؟
وقد وضعت هذه الأفكار وغيرها من الاقتراحات في ذلك الوقت على موقعي على الإنترنت ( kamalhattab.info ) ، تحت عنوان ” مقترحات لتفعيل دور طلبة الاقتصاد الإسلامي في خدمة المجتمع ” ولا تزال هذه المقترحات موجودة على الموقع حتى يومنا هذا .
أكتب هذا الكلام في الوقت الحاضر وأنا أقرأ وأسمع على مواقع التواصل الاجتماعي شكاوى خريجي أقسام الاقتصاد الإسلامي وخريجي أقسام المصارف الإسلامية حول عدم وجود فرص عمل أمامهم ، بل إن الأمر تعدى أكثر من ذلك إلى اعتبار البعض الاقتصاد الإسلامي أو التمويل الإسلامي من التخصصات الراكدة .
وقبل مناقشة مدى صحة هذا الكلام ، لا بد من التذكير بأن مسألة التوظيف والتخصصات المقبولة أو الراكدة هي مسألة عرض وطلب ، فما دام أي تخصص يوجد عليه إقبال سواء من الطلبة أو سوق العمل فلا يصح أن يحذف أو يحارب ، ولعل المتأمل في كثير من دولنا العربية ، فإنه سيجد أن التخصصات الشرعية واللغة العربية والتاريخ الإسلامي والجغرافيا وكثيرا من التخصصات الإنسانية كانت تواجه إقبالا ضعيفا خلال العقدين الماضيين ، نظرا لهيمنة التخصصات التكنولوجية والمعلوماتية والرقمية ، والإرشادات والتوصيات المتسارعة بأن معظم التخصصات الإنسانية هي تخصصات راكدة ليس لها مجال وظيفي .
غير أنني استمعت قبل أيام لرسالة صوتية لأمين عام وزارة التربية والتعليم الأردنية تناشد كل من هو متخصص في هذه التخصصات أو كل من يعرف أحدا متخصص في هذه التخصصات الإنسانية والشرعية واللغة العربية والتاريخ والجغرافيا .. التقدم عاجلا للتوظيف نظرا للنقص الشديد في هذه التخصصات .
فما الذي جرى ؟ وأين ذهبت التوصيات والإرشادات ؟ والتحذير من التخصصات الراكدة ؟
إن المسألة بكل بساطة هي مسألة عرض وطلب ، وكما هو القانون الاقتصادي الشهير ” كل عرض يخلق الطلب عليه ” فالتخصصات المعروضة سوف توجد الطلب عليها ، قد يزداد الطلب في إحدى الفترات وقد ينخفض في فترات أخرى ، ومع ذلك فسوف يستمر ما دام معروضا .
ومما تقدم نلاحظ أن مشكلة التخصصات الراكدة في الوقت الحاضر ليست مشكلة تخصص الاقتصاد الإسلامي وحده ، بل هي مشكلة كافة التخصصات ، بسبب ظروف الكورونا وتداعيات الكورونا الاقتصادية .
كما أن مسؤولية إيجاد فرصة عمل تعتمد على الطالب بالدرجة الأولى ، فالطالب المبدع المجتهد لا بد أن يجد له مكانا في سوق العمل، فالمسألة لم تعد تعتمد على الشهادة أو الدرجات وإنما تعتمد على الكفاءة والخبرة والقدرة على الإضافة والإقناع .
وقد رأينا في العام الماضي الرئيس الأمريكي ، يصدر أمرا تنفيذيا باعتماد المهارة قبل الشهادة الجامعية عند اختيار الموظفين .
إن أزمة التشغيل ليست موجهة للاقتصاد الإسلامي أو المصارف الإسلامية فحسب، وإن كان يطلب من الأقسام الأكاديمية التطوير الدائم في برامجها من أجل مواكبة سوق العمل ، حيث يمكنها إدخال برامج مخاطر التمويل الإسلامي ، وريادة الأعمال الإسلامية، والتأمين الإسلامي ، والأسواق المالية الإسلامية ،والصكوك ، والوقف ..إلخ ، ومع ذلك فسوف تبقى قوى العرض والطلب تتفاعل من أجل الحصول على الأفضل والأكثر كفاءة ومهارة ، ومن أجل التطوير والانتفاع والإضافة وزيادة الإنتاج ، ورفع مستوى المؤسسات والشركات .
إن مشكلة وجود فرصة عمل لم تعد مسؤولية الحكومات في الدول العربية منذ سنوات طويلة ، وخاصة بعد أن دخلت معظم الدول العربية في برامج تصحيح هيكلي مع صندوق النقد الدولي .
وبالتالي فإنه ليس من حق الحكومات أن تتدخل في تحديد التخصصات الراكدة أو تحذير الناس منها .. إن ما هو راكد اليوم ، ليس بالضرورة أن يكون راكدا غدا ، وبالتالي فإن معظم هذه الحسابات ليست دقيقة ..
إن الحكومات التي لا تستطيع إيجاد فرص عمل لمواطنيها ، لا يمكنها أن تتدخل فيما هو راكد أو غير راكد ، وبالتالي فلتكف يدها عن التدخل ، وليترك الأمر لقوى السوق، ولتعمل على حماية السوق من الاحتكار والمنافسة غير العادلة ، عندها يمكن للتخصصات المختلفة أن تتفاعل بحرية مع قوى العرض والطلب ، بما يؤدي إلى تحقيق التوازن من التخصصات النافعة والتوازن في سوق العمل .

أكتب رداً:

You must be logged in to post a comment.

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]