ضعها في رقبة عالم ؟؟ أ.د كمال حطاب
يتردد على ألسنة كثير من الناس ، كلما أرادوا التبرير لأنفسهم حول سلوك محرم أو مشبوه، خاصة في مجال التعامل مع البنوك الإسلامية ” ضعها في رقبة عالم..” ، .
ولما كانت المصارف الإسلامية مستندة إلى هيئات شرعية تراقب أعمالها وتقر أو توافق على هذه الأعمال ، فإن مبررات الناس وحجتهم في الأخذ برأي الهيئات الشرعية مبررات قوية .
ومع ذلك فإن اجتهادات بعض الهيئات الشرعية يمكن أن تكون خاطئة ، كما هو اجتهادهم في التورق المنظم ، وبالتالي تبقى مسؤولية الفرد في التعامل معها ، مسؤولية شخصية ، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم ” استفت قلبك.. وإن أفتاك الناس وأفتوك .. ”
ومن هنا فإن مقولة ” ضعها في رقبة عالم واخرج منها سالم ” لا أساس لها في الشرع ، فالأصل أنه لا تزر وازرة وزر أخرى ، ولذلك فكل إنسان مطلوب منه أن يكون مسؤولا عن أعماله ومواقفه وآرائه أو آراء غيره التي يتبناها ويعمل بها .
إن هذا الحديث يعطي كل إنسان مهما انخفض مستوى علمه، بوصلة واضحة ضد الانحراف أو الوقوع في الإثم ، كما أن هذه البوصلة هي التي تجعل الإنسان وحده مسؤولا عن أعماله ، مستحقا للمحاسبة عن كل انحراف أو زلل أو إثم ، وذلك في ظل قوله تعالى ” وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ “(الإسراء ، 15) وقوله تعالى ” وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ” ( مريم،95) إن وجود هذه البوصلة التي وضعها الله في قلب كل إنسان هي التي تجعله محصنا ضد السقوط والانحطاط والتدهور ، كما تجعله مسؤولا عن تصرفاته متحملا عواقبها وآثارها .
ومن جهة أخرى فإن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ” الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ..” يمثل بوصلة أخرى لكل مسلم لكي يجتنب المحرمات كما يجتنب الشبهات ، وبالتالي فلا داعي ولا ضرورة لكي يضعها في رقبة عالم ، فالأولى تجنب الشبهات والرخص ، والحيل والمتحايلين ..
ومن جهة ثالثة فإن قول ابن حزم ” فكل ما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال ..” تعليقا على قوله تعالى ” وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ” (الأنعام ، 119 ) يمثل بوصلة ثالثة للتمييز بين الحلال والحرام .
إن الإسلام يعطي لكل فرد في المجتمع المسلم أهمية عظمى ، ويزيد في كرامته ومكانته ، ويجعل عزته من عزة الله ورسوله ” وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ” ( المنافقون ، 8) ، وبالتالي لا يحق لأحد أن يعفي نفسه من المسؤولية ويلقي بآثامه وانحرافاته على الآخرين بحجة أهل العلم ، وأهل الذكر ، فكما يقال لو تتبع المرء رخص كل عالم لاجتمع له الشر كله ، كما لا يجوز أن يتصدر البعض تحت أي شعارات أو مناصب لكي يلغوا عقول الناس ويسوقوا عليهم الدجل تحت مبررات دينية عاطفية .
لا يحق لبعض الهيئات الشرعية أن تستغفل الناس وتروج عليهم الحرام بحجج واهية ، ولا يجوز للناس أن يركنوا إلى فتاوى مثل هذه الهيئات من أجل التخلص من الإثم الذي يجدونه في صدورهم ، فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم ” والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس” .
إن للعلماء مكانتهم ودورهم في المجتمع ، من حيث بيان العلم الصحيح والعمل به ، وإظهار الحق والتمسك به والدفاع عنه ، عندما ينحرف الناس عن الجادة ، وللعلماء دورهم في تمثيل القدوة العليا للناس في خشية الله وفي التضحية والفداء والإيثار ، وليس دورهم حمل خطايا الناس وآثامهم ، فالأصل هو قوله تعالى ” كل نفس بما كسبت رهينة ” ( المدثر ، 38) .
ومن جهة أخرى فليس في الإسلام صكوك غفران أو كراسي اعتراف ، فباب التوبة مفتوح لمن أخطأ ، ولا يحتاج المذنب إلى وساطة أحد ، فلا واسطة بين العبد وربه .