الاقتصاد الإسلامي .. مساق اختياري أم إجباري ؟ أ.د كمال حطاب
قبل أكثر من عشرين عاما ، وحين كنت أحد أعضاء هيئة التدريس في قسم الفقه، كانت مادة الاقتصاد الإسلامي مساقا إجباريا في برنامج الفقه لمرحلة البكالوريوس ، وفي أحد الاجتماعات الدورية للقسم لمناقشة خطة البكالوريوس ، رأى أغلبية أعضاء المجلس تحويل مساق الاقتصاد الإسلامي من المواد الإجبارية إلى المواد الاختيارية ، رغم اعتراضي مع قلة من أعضاء هيئة التدريس ، وتم التصويت على رأي الأغلبية بالموافقة.
وقد آلمني ذلك القرار بشدة ، ربما لأنني الوحيد الذي أحمل شهادة دكتوراه في الاقتصاد الإسلامي في ذلك الوقت ، وقد كانت لدي طموحات كبيرة بأن ينتشر هذا التخصص بحيث يكون له برنامج مستقل بدلا من مادة واحدة .. وقد دفعني ذلك الموقف إلى كتابة خطاب إلى رئيس الجامعة في ذلك الوقت .. قلت فيه بأن الجامعات الكبرى في العالم مثل هارفارد وأكسفورد ودرم وغيرها تضم في جنباتها برامج للاقتصاد الإسلامي أو التمويل الإسلامي ، ونحن في جامعتنا نضيق بمادة واحدة للاقتصاد الإسلامي ونريد أن تكون مادة اختيارية بدلا من إجبارية . وتكلمت عن أهمية الاقتصاد الإسلامي ودوره في النهوض والتنمية ، وقدرته على مواكبة التطورات الاقتصادية والمالية العالمية .. إلخ .. وبعد هذا الخطاب بسنة أو سنتين .. صدر قرار من مجلس العمداء بالموافقة على إنشاء برامج بكالوريوس وماجستير ودكتوراه في الاقتصاد والمصارف الإسلامية .. كما صدر قرار مماثل في عدد من الجامعات الحكومية والخاصة ، بعد ذلك التاريخ بعدة سنوات .
وبعد أكثر من عشرين عاما على بدء تدريس برامج الاقتصاد والمصارف الإسلامية في عدد كبير من الجامعات، أعيد نفس السؤال الذي طرحته في البداية ؟ ولكن ليس على مستوى برنامج القسم الواحد ، وإنما على مستوى الجامعة ؟ هل يكفي أن تكون مادة الاقتصاد الإسلامي مساقا اختياريا لطلبة الجامعة أم لا بد أن تكون مساقا إجباريا ؟ كما هي مواد اللغة العربية والإنجليزية والحاسوب والمواد الوطنية .. إلخ ؟
في رأيي المتواضع ينبغي أن تكون مادة ” الاقتصاد الإسلامي ” ضمن متطلبات الجامعة الإجبارية ، وذلك لأنها تحقق ما لم تحققه أية مادة أخرى على مستوى الجامعة ، فهي تعمل على تكوين وتشكيل أنماط سلوكية آمنة مرتبطة بالقيم الإسلامية الأصيلة من خلال بناء عادات استهلاك واستثمار آمنة ، وتكوين أنماط سلوك آمن في مجالات الإنتاج والتنمية والتجارة وكافة أشكال النشاط الاقتصادي .كما تعمل مادة الاقتصاد الإسلامي على تعريف الطلبة بمعنى الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية ، بحيث يتخرج كل في مجاله متقنا لهذا المصطلح ، ومطبقا له في حياته العملية ، فتزداد إنتاجية الخريجين ومساهمتهم في خدمة المجتمع .
كما تزرع مادة الاقتصاد الإسلامي في نفوس الطلبة وعقولهم معنى التكافل الاجتماعي والتراحم والإحساس بالآخرين وتجتث من قلوبهم التباغض والتحاسد والطبقية ، من خلال التعريف بأسرار الزكاة والوقف والصدقات والمواريث والنفقات الواجبة .. إلخ .
إن مادة الاقتصاد الإسلامي تعرف الطلبة بأساليب التمويل الإسلامي المبنية على العدالة والمشاركة وتحمل الخطر واقتسامه بين الشركاء وتوزيع المغانم والمغارم ، كما تعرف الطلبة على أحدث الأساليب والأدوات المالية الإسلامية التي تواكب التطورات المالية المعاصرة وربما تتفوق عليها دون أن تتنازل عن المبادئ والضوابط الشرعية أو المعايير المهنية والمحاسبية العالمية .
إن الحاجة إلى فرض مساق ” الاقتصاد الإسلامي ” كمادة إجبارية ضمن متطلبات الجامعة ، تتضح بشكل كبير عندما نعلم أن معظم أشكال الانحراف والجريمة والتطرف ترجع إلى أسباب اقتصادية ، وأن الاقتصاد الإسلامي لديه الحلول الوقائية والعلاجية لكافة الأزمات والمشكلات الاقتصادية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمزيد من التفصيل ينظر : كمال حطاب ، الاقتصاد الإسلامي وأبعاده الأمنية ، المجلة العربية للدراسات الأمنية والتدريب ، العدد 32 ، المجلد 16، 1422 هـ وبحث : الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية من منظور إسلامي ، مجلة أبحاث اليرموك / جامعة اليرموك . المجلد الثالث عشر، عدد 14 ، 1997 .