زيت الأقصى.. وقود التحرير أ.د كمال حطاب
مما لا شك فيه أن زيت الزيتون هو من أصفى وأنقى وأجود أنواع الزيوت ، خاصة في الإضاءة ، والدليل على ذلك ما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى ” اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ .. ” ( النور ، 35)
ونظرا لانتشار أشجار الزيتون في بلاد الشام وفي فلسطين بشكل خاص ، فقد كان الناس يهدون زيوتهم إلى المسجد الأقصى عملا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المسجد الأقصى ” مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَأْتِيَهُ فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ، فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى إِلَيْهِ زَيْتًا كَانَ كَمَنْ قَدْ أَتَاهُ ” ..
وقد عمل المسلمون بهذا الحديث على مدار القرون الماضية ، وكان تحت المسجد الأقصى بئر عميقة ، تعود إلى العصر الأموي ، يخزن فيها الزيت على مدار العام ، بحيث تضاء منه قناديل المسجد الأقصى التي تقدر بعشرات الآلاف ، خاصة في رمضان والمناسبات الدينية الأخرى كالأعياد والإسراء والمعراج وذكرى الهجرة النبوية وغيرها ..
ولا تزال هذه البئر موجودة حتى وقتنا الحاضر بالرغم من حفريات اليهود المتتالية ، ونبشهم المستمر تحت المسجد الأقصى ، وصورة هذه البئر موجودة على الإنترنت في بعض الأفلام الوثائقية ، وكذلك جرار الزيت ، والفوانيس التي كانت تضاء في المسجد الأقصى .
ومع انتشار الكهرباء ووصولها إلى المسجد الأقصى ، فهل يتوقف العمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم؟ هل يتوقف الإهداء إلى الأقصى ؟ هل يتوقف شد الرحال إلى الأقصى كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟
مما لا شك فيه أن العمل بهذا الحديث لا يتوقف ، فإذا لم يكن الأقصى بحاجة إلى زيت للإضاءة فإنه بحاجة إلى أمور أخرى كثيرة .. خاصة بعد أن أصبح أسيرا تحت الاحتلال .. ويمارس الاحتلال فيه يوميا أبشع أشكال التعدي والإساءة .. وصدق فيه قول الشاعر ..
المسجد الأقصى يئن بحرقة .. مسرى الرسول يهيب بالعباد
لبوا الندا إن اليهود بساحتى .. فعلوا خسيس الفحش والإفساد
إن الأقصى بحاجة إلى رجال أحرار، يخلصونه من الأسر والاضطهاد وكافة أشكال الاعتداءات .. إن الأقصى بحاجة إلى أهل الرباط الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم .. في قوله” لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وهُمْ كَذلكَ. وفي رواية ” قيل أين هم يا رسول الله قال في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ”
إن المسجد الأقصى بحاجة إلى هؤلاء وإلى كل من يعزز صمودهم ورباطهم ، بحاجة إلى المؤازرة والمساندة والدعم والدعاء ..
وإذا لم يعد الأقصى بحاجة إلى زيت الإضاءة فإنه بحاجة إلى زيت الإيمان والعزيمة والقوة ، بحاجة إلى وقود المعركة ، معركة مقاومة الاحتلال ، معركة التحرير ، معركة تخليص الأسرى من القيود والمعتقلات والزنازين ، معركة الدفاع عن الأمة الإسلامية جمعاء ضد الصهاينة الغاصبين ..
إن زيت الأقصى هو رمز لكل وقود يمكن أن يقدم للأقصى في معركته مع الاحتلال ، رمز للكرامة والعزة ، رمز للقداسة والنور والحرية والتحرير .
إن زيت الأقصى هو رمز لكل كلمة حق ، تقال دفاعا عن الأقصى ، رمز لكل دعاء خفي لتحريره من أيدي الغاصبين ، رمز لكل إنكار للاحتلال حتى ولو كان أنكارا قلبيا ، وذلك أضعف الإيمان .