عودة إلى الصفحة الرئيسية

التخصصات الراكدة وقرارات مجلس التعليم العالي .. أ.د كمال حطاب

التخصصات الراكدة وقرارات مجلس التعليم العالي

أ.د كمال حطاب
تقوم فلسفة نظام السوق الذي تسير عليه معظم دول العالم ، على ترك قوى العرض والطلب تتفاعل بحرية في الأسواق ، بحيث تتحدد السلع والخدمات المرغوب بإنتاجها تبعا للطلب الشديد عليها ..
ولما كان التعليم قد غدا سلعة ، ووافقت الحكومات والمجالس التشريعية على ذلك ، ووجدت الجامعات الخاصة التي سمح لها بتحقيق أرباح طائلة من خلال ممارسة مهنة التعليم الجامعي .. فإنه ليس من حق أحد أن يتدخل .. ويحدد التخصصات الراكدة وغير الراكدة والموقوفة مؤقتا أو بشكل دائم .. ولو كان الأمر من باب التوعية والإرشاد لكان مقبولا ، ولاستحق من قام بهذه الإرشادات الشكر والتقدير ، أما أن يكون الأمر هو تدخل كامل في إيقاف 42 تخصصا وبرنامجا جامعيا ، كما ورد في قرارات مجلس التعليم العالي .. فإن الأمر يصبح عندها تدخلا وتغولا على قوى السوق .
فإما أن تتحول الحكومات إلى اشتراكية تمارس التعليم ومجانية التعليم ، وتتعهد بالتوظيف الإجباري ، أو تترك الأمر لقوى السوق تحدد التخصصات المطلوبة ، وغير المطلوبة ، وبطبيعة الحال فإن التخصصات غير المطلوبة سوف تخرج من السوق عاجلا أو آجلا .
إن ما هو واقع في الوقت الحاضر ، أن معظم الدول التي ارتبطت بصندوق النقد الدولي في برامج إصلاح هيكلي ، قد رفعت شعار لا لتوظيف الخريجين ، وبالتالي فإنه ليس من حق هذه الحكومات أن تتحدث عن التخصصات الراكدة أو تتدخل بإيقاف تخصصات معينة بحجة أنها راكدة ..
إن مسألة تنظيم قطاعات التعليم والتركيز على ما يحتاجه المجتمع أو ما له أولوية في المجتمع هو أمر مقبول وسياسة تعليمية رشيدة ، غير أن إلزام الناس بتخصصات بعينها وإغلاق تخصصات أخرى بحجة إشباعها هو تدخل من الحكومات في غير محله .
إن مهمة الحكومات هي التوجيه والإرشاد ، وليس من مهامها إلزام الناس وإجبارهم بحجة الإشباع أو الركود في التخصصات .. ثم ما هي المعايير التي تعتبر فيها بعض التخصصات مشبعة أو راكدة ، هل هي البطالة أو عدم وجود فرص عمل ، إن من أكثر التخصصات بطالة في السنوات الأخيرة تخصص الطب والهندسة ، وقد رأينا آلاف الأطباء والمهندسين لا يجدون عملا ، فلماذا لا تعتبر هذه التخصصات راكدة أو مشبعة ؟
إن من حق الناس أن يدرسوا ما يتناسب مع ميولهم ومواهبهم ورغباتهم ، حتى ولو كانت فرص العمل نادرة في هذه التخصصات ، خاصة وأن ما هو مشبع أو راكد اليوم من التخصصات قد يكون مطلوبا بقوة بعد سنة أو سنوات .. كما أن معظم الخريجين لا يعملون في مجالات تخصصهم ، وكذلك فإن العديد من الخريجين أو الخريجات ربما ليسوا بحاجة إلى الوظيفة ..
إن التعليم الجامعي يسهم في نضج الطالب وتحقيق التوازن والاستقرار الشخصي والنفسي ، واكتساب شخصية علمية هادئة متزنة ، وهذه المخرجات لا يمكن قياسها بمعيار الوظيفة أو فرصة العمل .
إن التعليم الجامعي ليس تدريبا عسكريا حتى يكون إلزاميا في بعض جوانبه ، كما أنه لا يخضع لقوانين عسكرية أو طوارئ ، وإنما يخضع لقوانين السوق الطبيعية ، فما كان مطلوبا سوف يسجل فيه من يطلبه وما لم يكن مطلوبا من التخصصات سوف يغلق تلقائيا .. وبالتالي فلا يوجد أي مبرر للتدخل بالتقييد أو الإلغاء ..
إن الدول أو الحكومات التي تتدخل فيما هو مشبع أو راكد من التخصصات ، ينبغي أن تتحمل المسؤولية في التوظيف مهما كانت ظروف السوق ، وإلا فلتكف يدها عن التدخل ، ولتمارس دور الإشراف والرقابة والتوجيه ، بما يضمن سوقا حرة للتعليم ، بعيدة عن الاحتكار والتواطؤ والسلوكيات المنحرفة .

أكتب رداً:

You must be logged in to post a comment.

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]