هل يمكن إيجاد عملة إسلامية موحدة ؟ .. أ.د كمال حطاب
إن ضعف وتفكك وانقسام معظم دول العالم ومنها الدول الإسلامية ، مقارنة بأمريكا ، يجعلها عاجزة عن الاتفاق على إصدار عملة موحدة بديلة للدولار ، وبناء على هذه الحقيقة فإنه ليس أمام أية دولة تريد أن تقلل خسائرها بسبب تقلبات العملات، سوى أن تربط عملتها بعملة قوية من العملات الصعبة التي تشكل جزءا كبيرا من تجارتها الدولية ، ومن خلال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي منظم الاتفاقيات النقدية الدولية ، والمسؤول عن تسيير المدفوعات الدولية .
وفي هذه الحالة فإن صندوق النقد الدولي يطلب من البنك المركزي لهذه الدولة التدخل في أسواق العملات الدولية مشتريا لعملته المحلية في حالة انخفاض سعر صرفها عن سعر عملة الربط ، أو بائعا للعملة المحلية بالدولار في حالة ارتفاع سعر الصرف عن سعر صرف عملة الربط .. ويمكن أن يتعهد الصندوق بتوفير العملة الصعبة في حالة نقصها .
فإذا كانت عملة الربط هي الدولار ، وكانت التجارة مع الولايات المتحدة تشكل نسبة كبيرة من حجم التجارة الدولية التي تقوم بها هذه الدولة كأن تكون ٩٠٪ ، عندها يكون قرار ربط العملة بالدولار قرارا رشيدا ، أما إذا كانت التجارة لا تشكل هذه النسبة ولا نصفها أو ثلثها فإن قرار الربط في هذه الحالة يكون خاطئا .
ويمكن أن تقوم الدولة بالربط بسلة عملات وفقا لنسب حجم تجارتها مع كل دولة ، فيمكن أن تتشكل السلة من 50% دولار ، 30% يوان صيني 10% يورو ، 10% حقوق سحب خاصة . أو بأية نسب أخرى وفقا لنسب حجم التجارة مع كل دولة يتم ربط عملتها بها .
تستطيع الدول المتضررة من هذا الوضع ومنها الدول الإسلامية، أن تعمل على إيجاد عملة دولية موحدة ،تصدرها جهة إصدار مستقلة ، بعيدا عن الأمم المتحدة ومنظماتها ، بحيث تدار هذه العملة من قبل ممثلين عن هذه الدول . بما يضمن لهذه العملة أن تكون وسيطا محايدا ومعيارا عادلا للقيم بعيدا عن أسواق العملات الدولية وما يجري فيها من مضاربات ومقامرات عبثية .
غير أن الدول المتضررة ، هي متضررة بانقسامها وتفككها أولا ، ولا تستطيع الاندماج أو التحالف أو التكامل مع أية دول أخرى ، دون إذن الدول التي تدور في فلكها حاليا .. وهذا المشهد من الصعب تغييره ، بل من المستحيل ، ما لم تحصل معجزات كارثية تغير من أوضاع الدول المتحكمة ، وبشكل خاص ما أطلق عليه الدول السبعة العظام أو ( G7 ) .
إن ما يجري حاليا من أحداث عالمية في أوكرانيا وروسيا والصين والولايات المتحدة وبدء الحديث عن حروب نووية تكتيكية يعني مصغرة ، هي أقرب إلى هذه المعجزات الكارثية التي يمكن أن تغير من وضع الدول المتحكمة في العالم ، وبالتحديد مجموعة السبعة العظام ، ومجموعة العشرين ، وصندوق النقد الدولي ، وغيره من المؤسسات والمنظمات الدولية .. غير أن هذه المعجزات الكارثية لا يستطيع أحد التنبؤ بما سينجم عنها ، وكيف سيكون شكل العالم بعد هذه الكوارث ؟ وهل ستحدث تحالفات جديدة ؟ وموازين قوى جديدة ؟ هل يمكن أن تفقد أمريكا ودولارها السيطرة على الأمور ؟
جميع المؤشرات الحالية تشير إلى أن هذا الوضع بعيد جدا .. وأن الأوضاع لا بد أن تستقر في اللحظات الأخيرة .. وأن جميع العناصر المؤثرة تحت السيطرة .. ولذلك ينبغي على العقلاء والمفكرين والمؤثرين اقتصاديا وسياسيا ، التخطيط لكافة الظروف ووضع كافة السيناريوهات المتوقعة من أجل الخروج من هذه الأزمات بأقوى ما يمكن وبأقل الخسائر الممكنة .
وإذا عدنا إلى نفس السؤال الأول ، فإن إصدار عملة موحدة يتطلب أولا وقبل كل شيء الاتفاق بين الدول الإسلامية ، كما يتطلب توفر الإرادة السياسية والاقتصادية لتنفيذ الاتفاق ، وبدون ذلك ستبقى عملات الدول الإسلامية تدور في فلك الدولار وغيره من العملات الدولية .. وستبقى بحاجة ماسة إلى العملات الدولية الصعبة ، والتي لن يكون من بينها أية عملة عربية أو إسلامية ، بسبب وحيد ، وهو حالة التفرق والتشرذم التي تعيشها الدول الإسلامية ، وحالة عدم إمكانية وجود اتفاق جاد وحقيقي بين هذه الدول .