غزوة النفق .. وصناعة المستحيل أ.د كمال حطاب
في مثل هذا اليوم من العام الماضي استيقظ الصهاينة والسجانون في دولة الاحتلال.. على فضيحة من نوع جديد ، هروب ستة من الأسرى من سجن جلبوع ، قرب بيسان ، من خلال نفق حفروه تحت الزنزانة إلى خارج السجن .. إنها فضيحة كبرى بحق السجانين في السجن الأشد حراسة بين سجون دولة الاحتلال .. كيف تمكن هؤلاء الأسرى من الهروب .. أُسقط في أيدي الصهاينة فباتوا يصولون ويجولون .. ويغلقوا الطرقات والمطارات .. ويضعوا الحواجز والنقاط التفتيشية في كل مكان ..
استطاع الأسرى الاختفاء لعدة أيام لم ينم فيها الصهاينة خوفا على حياتهم .. وتنفس فيها الأسرى الصعداء ولامست أرواحهم عنان السماء .. تنقلوا على أرض بلادهم من مكان إلى آخر .. من شجرة إلى أخرى .. من سهل إلى آخر .. بل إن بعضهم وصل إلى البيوت حيث يعيش الناس .. ولكنهم آثروا ألا يؤذوا أحدا ..
وظل الصهاينة يهددون ويتوعدون .. ويطلقون التصريحات يمينا ويسارا .. خوفا على حياتهم .. إنهم يعرفون جرائمهم وما يستحقونه نتيجة هذه الجرائم .. إنهم يعرفون حجم الظلم والقهر الذي يمارسونه في سجونهم وبالتالي فقد حسبوا ألف حساب لهؤلاء الأسرى الستة .. إن هؤلاء الستة كانوا ستة آلاف في عقول السجانين والمحتلين ..
إن موقعة النفق ، قد حفرت أنفاقا ومغارات مظلمة في عقول وقلوب المحتلين الظالمين ، والذين لم يعرفوا النوم بعد تحرر الأسرى خشية الانتقام ..
إن غزوة النفق قد حفرت أنفاقا من نور وأمل في عقول وقلوب المظلومين والمقهورين من أبناء الشعب الفلسطيني ومن سائر الشعوب ..
إن غزوة النفق قد غزت قلوب المحتلين الجبانة ، كما غزت حصونهم المدججة بالأسحلة والمحصنة إلكترونيا، فباتوا يحسبون كل صيحة عليهم ، وباتوا يعيشون في قلق عظيم .
ليس من حق المحتلين أن يسجنوا المقاومين ، فالمقاومة حق شرعي وقانوني تكفله كافة الشرائع والمواثيق الدولية ، والمحتلون يعرفون أنهم ظلمة ولذلك كانوا مرعوبين من تحرر الأسرى ، يعرفون أنهم كيان طارئ ولذلك هم مرعوبون من اقتراب نهايتهم .. يعرفون أنهم ينتهكون المواثيق الدولية والإنسانية ولذلك هم مرعوبون لأنه لن يستقبلهم أحد من البشر بعد انهاء احتلالهم ..
إن حجم المعاناة التي يعيشها الأسرى يمكنها أن تحفر النفق تلو النفق .. إن أرض الله واسعة ، فلا يحق لظالم محتل أن يحجز على حرية الناس خشية مقاومة احتلاله .. هذا ما تقوله الشرعية الدولية النائمة ..
إن حجم المعاناة التي يشعر بها من احتلت أرضه يولد في النفس طاقات هائلة جبارة مبدعة ، تستطيع أن تصنع المستحيل من أجل مقاومة المحتل وطرده ..
كما أن نموذج المقاومة من تحت الأرض ، يعتبر من أعلى وأسمى أشكال المقاومة ، وسيبقى هذا النموذج على مدار التاريخ شاهدا على قوة الحق وصناعة المستحيل ، ستبقى المقاومة تتمدد وتتجدد بأشكالها التي لا يمكن أن تنتهي أو تتوقف .
هل ستحقق المقاومة في فلسطين ما حققه الشعب الأفغاني ؟ وهل يمكن أن يندحر الصهاينة ويغادروا فلسطين كما غادر المحتلون أفغانستان ؟ هل يمكن أن يتكرر مشهد أفغانستان في فلسطين ؟ هذا ما نأمله وندعو الله أن نراه قريبا ( حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) آل عمران، 214