دم لفطير صهيون… أ.د كمال حطاب
في أيام المدرسة ، وبالتحديد في المرحلة الثانوية ، قرأت معظم قصص الأديب المصري الرائع نجيب الكيلاني ، ومما أذكر منها .. ليالي تركستان .. عذراء جاكرتا .. وعمالقة الشمال .. ورمضان حبيبي .. وعمر يظهر في القدس .. وغيرها ، غير أن ما لا أستطيع أن أنساه من تلك القصص ، قصة حقيقية واقعية ، وقعت أحداثها في حارة اليهود في دمشق القديمة ، قصة ” دم لفطير صهيون ” حيث كان لدى اليهود مناسبة دينية يصنعون فيها الفطير .. وكان شرط صناعة الفطير عندهم أن يُجبل بدم مسيحي أو مسلم .. وكان الضحية في ذلك الوقت راهب الدير .. حيث قتلوه وصنعوا الفطير من دمه ، ثم قطعوا جثته وأخفوها في مكان يصعب الوصول إليه .. ولما كان لذلك الراهب أهميته وشعبيته فقد قامت دمشق كلها تبحث عنه وعن جثته .. إلى أن أُسقط في أيدي المجرمين ، وقُدموا للمحاكمة ، ولا تزال وثائق تلك المحاكمة التي جرت أيام الدولة العثمانية موجودة .. وقد أرفق الكاتب بعضا منها في نهاية القصة على ما أذكر .
ولعل تلك القصة تشبه إلى حد كبير قصة تاجر البندقية لشكسبير ، والتي مثلت أيضا أحداثا حقيقية جرت في مدينة البندقية ” فينيسيا ” ، وكان من أبرز شخصياتها تاجر يهودي جشع ، فالتشابه كبير بين القصتين .. فتاجر البندقية المرابي الجشع شيلوك قرر أن يسترد دينه وفقا للشرط الذي أخذه على المدين ، بقطع كيلوغرام من لحمه وهو حي ، لأنه تأخر في السداد ، ورغم وقوف معظم الناس في المدينة ضد هذا السلوك ، وتعهد الحاكم لهذا التاجر المرابي ، بالسداد ومضاعفة المبلغ ، إلا أنه أصر على تطبيق القانون ، واقتطاع كيلو لحم من جسم المدين كما تم الاتفاق ، وفقا للصك الذي يحتفظ به ذلك المرابي ..وبالطبع فالمرابي يعلم بأن هذه العملية ستترافق مع نزيف من الدماء ربما تؤدي إلى موت المدين ، ولكنه لا يبالي ..
والقصة معروفة ومشهورة ونهايتها كانت بإصدار القاضي قرارا يسمح له بتنفيذ الشرط الذي اشترطه في الصك .. ولكن المحامي أصر عليه أن ينفذ ما كتب في الصك فقط .. كيلو لحم فقط .. دون أية قطرة من الدماء .. وعندها أسقط في يد ذلك المرابي .. وأخذ يتوسل ويطلب العفو عنه .. غير أن أهل المدينة حكموا عليه بالخروج من مدينتهم ومصادرة أملاكه وأمواله ..
إن هؤلاء الظلمة القتلة .. معروفون عبر التاريخ بأنهم قتلة الأنبياء .. فكيف يتورعون عن غير الأنبياء .. وها هم اليوم يقتلون الناس بدم بارد ، ويمارسون الإجرام ليل نهار ..
لقد كانوا يجدون الفتاوى المبيحة للقتل من حاخاماتهم .. ومن كتبهم المحرفة .. وفي طقوسهم الغريبة المتوحشة .. وها هم اليوم يجدون التأييد والدعم من معظم الدول التي تسمى بالمتقدمة .. كما لا يعترض عليهم كثير من الدول العربية والإسلامية ..
إنهم لا يحسبون حسابا لأحد .. بل يجاهرون ليل نهار في نشيدهم الوطني بقولهم ” حين نغرس رماحنا في صدورهم .. ونرى دماءهم تراق ورؤوسهم مقطوعة …. وعندئذ نكون شعب الله المختار ” .
وبناء على ذلك كان الحل النهائي لهذه الشرذمة هو القتل والاستئصال وعلى أيدي المسلمين ، وهو ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح بما معناه ” لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر والشجر : يا مسلم يا عبدالله ، هذا يهودي ورائي ، تعال فاقتله ” إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود” .
وإلى أن يتحقق الحل النهائي فلا بد من تفعيل العمل بالتشريع السماوي الذي أنزله الله على موسى عليه السلام كما أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم وكافة الأنبياء من قبله .. قال تعالى ” وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ .. ” ( المائدة ، 45 )
هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تجدي معهم ، ومع كل معتد غاشم ، فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ، ولا يفل الحديد إلا الحديد ..
إن هذه الشرذمة المكونة من مزيج من الأحقاد والعنصرية والأمراض النفسية التاريخية .. لا تقر بشريعة ولا أخلاق ولا قوانين إنسانية دولية .. ولكنهم يقرون ويعترفون بالقوة .. ويحسبون لها ألف حساب .. ولذلك لا بد من امتلاك القوة .. فمن خلال القوة قهرتهم غزة .. وقهرتهم جنين ونابلس وشعفاط .. وسوف تقهرهم وتهزمهم كل مدن فلسطين بإذن الله تعالى .