زيارة إلى جامعة إم آي تي… أ.د كمال حطاب
وفقا لتصنيف كيو إس فإن جامعة إم آي تي أو معهد ماساشوستس للتقنية هو الأول على العالم ، ووفقا لتصنيف التايمز فإنه الخامس على مستوى العالم ، ويضم هذا المعهد 85 استاذا من الحاصلين على جائزة نوبل ، و58 فائزا بالميدالية الوطنية للعلوم ، كما يضم ألف عضو هيئة تدريس وأحد عشر ألفا من الطلبة ، وقد أنشأ خريجو هذا المعهد أو الجامعة أكثر من 30 ألف شركة ، وأوجدوا 4.6 مليون وظيفة ، وحققوا ما يقارب 1.9 تريليون دولار إيرادات سنوية ، وفقا لإحصاءات موقع التايمز البريطاني على الإنترنت ، ولا شك أن هذه الأرقام توضح مدى أهمية هذا المعهد ، وتدعو كل المهتمين بشؤون التعليم العالي في الدول العربية والإسلامية إلى دراسة هذه التجربة وأسرار نجاحها وتفوقها .
ونظرا لهذه الأهمية الكبيرة لهذا المعهد أو الجامعة فقد كنت حريصا على زيارتها في زيارتي الأخيرة للولايات المتحدة ، وبشكل خاص عندما كنت في ولاية ماساشوستس ، حيث تتواجد الجامعة ، وقد رأيت دعوة لحضور سيمنار في كلية الاقتصاد على موقع الجامعة ، فاعتبرتها فرصة لزيارة الجامعة .
تجولنا بين مباني الجامعة ، ومما لاحظته أن مباني الجامعة متداخلة مع المباني التجارية والسكنية ، ولا يوجد أسوار للجامعة أو بوابات ضخمة عليها حراسات مشددة كما هي جامعاتنا العربية ، .. فالكل يروح ويجيء دون رقابة أحد ، سواء كانوا طلابا أو زائرين ، صغارا أو كبارا ، فالجامعة مفتوحة على المجتمع المحلي متداخلة فيه ولا يوجد حدود أو قيود على الناس أو المواصلات .. كما هو الوضع في كثير من جامعاتنا العربية.. وبالرغم من التصنيف المرتفع جدا لهذه الجامعة عالميا ، فإن المباني قديمة في الغالب ، وليست مميزة بتصاميم معمارية غير عادية ، كما هو الوضع في كثير من جامعات البلاد العربية .
ومما لاحظته أيضا تنوع الطلبة من جنسيات متعددة أو من أصول متعددة وإن كان يغلب عليهم الجنس الصيني أو الياباني أو جنوب شرق آسيا ، فهؤلاء كانوا الأغلب فيما رأينا ، وبمراجعة الإحصاءات على الإنترنت تبين أن 33% من الطلبة هم طلبة دوليون ، يعني أن نسبة الطلبة الدوليين هي الثلث ، وهي نسبة كبيرة تفوق ما تتطلبه التصنيفات العالمية للجامعات ، وبمقارنة هذه النسبة بمعظم الجامعات في الدول العربية فإننا نجد أن نسبة الطلبة الدوليين في الجامعات العربية منخفضة جدا ، مما يسهم في خفض تصنيف هذه الجامعات .. وهي ظاهرة تدل على الانطوائية والعزلة من جهة ، ومن جهة أخرى عدم وجود سياسات لاستقطاب الطلبة الدوليين في معظم هذه الجامعات .
سألت عن الدراسات العليا في هذه الجامعة ، فتبين لي أن دراسة الدكتوراه في هذه الجامعة وفي معظم الجامعات الأمريكية عبارة عن منح تقدمها الجامعات للمتفوقين ، مقابل قيامهم بالعمل فيها كمساعدي تدريس ، فلا رسوم تدفع من قبل طلبة الدكتوراة وإنما يتقاضون مكافآت أثناء دراستهم وعملهم في الجامعة . ويقوم الأساتذة المشرفون على الطلبة بجلب التمويل للطلبة من قبل الشركات أو الحكومة قبل قبولهم في الجامعة .. ولذلك لا بد أن يجد الطالب أستاذا مشرفا عليه يمنحه القبول والمنحة الخاصة به طيلة فترة دراسته .
وهذا يفسر تضخم نسبة الطلبة الدوليين في هذه الجامعة ، فالجامعة ومن خلال الأساتذة والمشرفين تعمل على استقطاب المتفوقين من الطلبة من كافة أنحاء العالم ، وتعمل على الاستفادة منهم ، وربما توظيفهم بعد التخرج في مشروعات علمية عملية تسهم في استمرارية التطور العلمي والاقتصادي والحضاري .
ولما حان وقت الصلاة سألنا عن مكان للصلاة ، فوجدنا مبنى مخصصا للصلاة لجميع الديانات يطلقون عليه مركز النشاطات الدينية يحتوي على مصلى وقاعات للطلبة المسلمين ، ووجدنا مصلى واسعا للرجال مفروشا بسجاد فاخر ، مفصولا عن مصلى النساء الذي يعادله في المساحة ، وذلك يدل على عناية واهتمام واحترام كبير من الجامعة وإدارتها للطلبة المسلمين .
وبعد الانتهاء من الجولة بحثنا عن مطعم أو كافتيريا فكان الأقرب إلينا مطعم كلية الهندسة ، فدخلنا واشترينا الطعام وشاركنا الطلبة على طاولاتهم دون أن يعترض أحد ، بل كان الجميع بشوشا مرحبا بوجودنا ، بعد ذلك تجولنا في الشوارع والطرقات المحيطة بمباني الجامعة ، ووصلنا إلى جسر على نهر ( تشارلز ) المطل على معظم مدينة بوسطن من الجهة الغربية ، وهو جسر أشبه بالجسور المعلقة على مضيق البسفور في تركيا .. ومن هناك طلبنا سيارة أوبر وقفلنا راجعين إلى البيت .
تجدر الإشارة إلى أن هذه الجامعة تعتمد في ميزانيتها على أصول وقفية بما يقارب سبعة مليارات دولار ، ولا شك أن هذا التمويل الوقفي هو من أهم وأبرز أسباب تقدم وتطور وتفوق الجامعة عالميا .. وهذا يدعو للتساؤل حول دوافع التمويل الوقفي في الجامعات الغربية ، ولماذا لا يوجد مثل هذا التمويل الوقفي في جامعاتنا العربية والإسلامية ؟