عودة إلى الصفحة الرئيسية

الدبلوماسية المحنّطة أ.د كمال حطاب

مما لا شك فيه أن الخطاب الدبلوماسي ينبغي أن يكون هادئا متزنا صادقا يتمتع بالمنطقية والعقلانية ، غير أن الملاحظ على خطاب معظم الدبلوماسيين العرب حول جريمة الإبادة التي يمارسها الصهاينة في غزة ، أنه خطاب فارغ مكرر ممل يشعر من يستمع إليه بالإحباط واليأس ، بل يمكن القول بأنه خطاب ميت أو محنط ، مقولب في صيغ جامدة لا حياة فيها .. خطاب لا يقدم ولا يؤخر ولا يؤثر بأي شكل من الأشكال .. فالجريمة مستمرة على مدار الساعة ، والأطفال والنساء والشيوخ يلتحقون في مواكب الشهداء بالمئات يوميا وآلاف الجرحى يتراكمون في المستشفيات ، وخارج المستشفيات ، نظرا لخروج كثير من المستشفيات عن الخدمة ، ومع ذلك تجد الخطاب الدبلوماسي العربي باردا فاقدا الحرارة والانفعال ، بل إنه يفتقد لأية أوراق أو وسائل أو أدوات يمكن أن تؤثر على سير الأحداث أو توقف الجريمة أو تقلل من حدتها بحيث تنخفض أعداد الشهداء أو الجرحى ..
نستمع كثيرا إلى عبارات الإدانة والشجب والاستنكار ، وإلى ضرورة وقف إطلاق النار ، وعدم جواز قتل المدنيين ، وعدم جواز التهجير أو التطهير العرقي وغير ذلك من المصطلحات ، وكأن القضية سوف تنتهي بإصدار الأحكام الأخلاقية أو الدينية ، وكأن المسؤول أو الدبلوماسي يكون قد قام بالواجب الملقى على عاتقه تجاه وطنه وأمته عندما يصدر هذه الأحكام دون أن يحرك ساكنا تجاه الجريمة ..
استمعت قبل أيام إلى خطاب أحد دبلوماسيي الجامعة العربية أكثر من نصف ساعة دون أن أخرج بأية كلمة مفيدة يمكن أن يبنى عليها فعل أو تغيير أو تأثير .. أنا أعلم أن الجامعة العربية وأمثالها من المنظمات العربية والإسلامية هي مجرد سكرتارية أو أمانة عامة تقوم بدراسة المشكلات وتقديم المقترحات أو الحلول أو التوصيات .. غير أن هذه السكرتارية ومن خلال الخطاب الدبلوماسي لم تستطع حتى تقديم دراسات أو مقترحات أو توصيات عملية أو آليات تنفيذية من أجل وقف إطلاق النار أو التخفيف من حدة الجريمة ..
كان بإمكان هذا الدبلوماسي وغيره أن يقترح على الدول العربية النفطية المؤثرة أن تهدد أو تصرح بأنها سوف تقوم بوقف إمداد النفط عن كافة المؤيدين لاستمرار الجريمة أو أن يقول بشكل دبلوماسي أن بعض الدول النفطية تفكر باستخدام سلاح النفط إذا لم يتوقف إطلاق النار أو يقترح على الدول المطبعة أو الموقعة لاتفاقيات السلام بضرورة الإعلان عن التفكير بإلغاء هذه الاتفاقيات .. وعدم السماح لطيران دولة الاحتلال باستخدام المجال الجوي العربي أو عدم السماح لسكان دولة الاحتلال بدخول أراضيها إو إلغاء الاتفاقيات التجارية .. إلخ
كل هذه الخطوات التنفيذية ، يبدو أنها لا تدخل في اختصاص سكرتارية جامعة الدول العربية أو حتى سكرتارية منظمة التعاون الإسلامي وغيرها من الأجهزة والمنظمات الإنسانية العربية والإسلامية ..
استمعنا خلال الأيام الماضية إلى كثير من الدبلوماسيين أو المسؤولين العرب والذين لم تتجاوز حناجرهم كلمات الإدانة والألم على ما يجري ، ولم نستمع لأي منهم يحاول أن يصرح بأنه يفكر أو أنه رأى في منامه أنه يفكر بوقف الإمدادات النفطية عن الدول الداعمة للجريمة واستمرار العدوان .. لم نر أو نسمع أحدا يفكر أو رأى في منامه أنه يفكر بأنه سوف يدعم المقاومين في غزة إذا لم يتوقف مسلسل القتل والدمار .. لم نسمع أحدا يخرج عن الأعراف الدبلوماسية الميتة أو المحنطة التي تدعو إلى الهدوء أو تعبر عن القلق أو الشعور بالحزن والأسى .. أو إحصاء أعداد الضحايا والجرحى والنازحين ..
ولست أدري متى يصحو هؤلاء ويقومون بدورهم .. ويسجلوا للتاريخ أنهم قاموا بدورهم الحقيقي في وقف الجريمة .. هل يظن هؤلاء أن هذه الدبلوماسية الميتة سوف تبقي لهم المناصب؟ أو أنهم سيخلدون في مناصبهم .. هل يظنون أن الشعوب سوف ترحمهم ؟ أو أن التاريخ سوف يجد لهم أعذارا لهذا الخذلان الفظيع لأهلهم في غزة وفلسطين ؟ أو يظنون أن المجرمين الصهاينة سوف يرحمونهم إذا سكتوا أو وقفوا على الحياد ؟ ..
إن المجرمين الصهاينة لا يرحمون أحدا .. فالعرب بالنسبة لهم حيوانات بشرية .. بل إنهم عند بعضهم أقل من الحيوانات .. وبالتالي فإن هذه اللغة العنصرية المقيتة ليست موجهة لأهل غزة أو فلسطين .. فإذا ما انتصر هؤلاء الغزاة المجرمون لا قدر الله .. فإنهم سوف يستمرون في عدوانهم ومحاولة تحقيق مخططاتهم التوسعية الإجرامية ..
إن الدبلوماسية والعبارات المنمقة والمزخرفة ليس هذا أوانها ولا مكانها .. إن المطلوب الآن هو الإجراءات التنفيذية وتقديمها دبلوماسيا على شكل مقترحات أو تصريحات في قوالب إعلامية مؤثرة ..
إن الغرب لا يعرف غير لغة المصالح .. ولذلك فإن التهديد بقطع العلاقات أو وقف الاستيراد أو وقف التصدير أو استخدام سلاح النفط أو سلاح المقاطعة الاقتصادية أو وقف الاتفاقيات .. إلخ هو الذي يمكن أن يكون مؤثرا .. وفي نفس الوقت لا بد من الإعداد والاستعداد الميداني والعسكري للدفاع عن الأرض والوطن لأن الجميع مهدد من قبل هذه العصابات الصهيونية المجرمة التي لا تراعي إلا ولا ذمة .

أكتب رداً:

You must be logged in to post a comment.

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]