العصف المأكول .. أ.د كمال حطاب
كتبت قبل عدة أسابيع ، عن الحمية الجاهلية التي يمكن أن توقف الظلم والعدوان ، والتي لا يمكن أن تسمح للغطرسة الصهيونية بالاعتداء على المقدسات ، تلك الحمية التي أوقفت أبرهة الحبشي عندما حاول الاعتداء على الكعبة ، الحمية التي لجأ أصحابها إلى رب الأرباب فاستجاب لهم ، فجعل جيش أبرهة كالعصف المأكول ..
كيف حدث ذلك ، وكان أهل مكة كفارا ؟
إن أهل مكة في ذلك الوقت ، وعلى رأسهم جد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، كانوا على إيمان ويقين بأن هذا البيت لله ، وأنه ما دام لله ، فإنه سوف يحميه ، ولذلك لم يقفوا في وجه أبرهة بل صعدوا إلى جبال مكة ، واشتهرت بينهم مقولة عبد المطلب ” إن للبيت ربا يحميه ” . وبالفعل جاءت الطير الأبابيل التي أحالت جيش أبرهة إلى رماد أو إلى عصف مأكول كما أخبر الله سبحانه وتعالى ..
إن تدخل العناية الإلهية وحدوث الكرامات والمعجزات ، تتطلب قبل كل شيء الإيمان القوي واليقين الثابت بقدرة الله عز وجل ومن ثم تفويض الأمر لله ..
إن ما يحدث اليوم في غزة يكاد يقترب مما حدث مع جيش أبرهة فها هو الجيش الصهيوني ، جيش الغطرسة والعربدة قد انهار وتحول إلى ما هو أشبه بالعصف المأكول .. ذلك الجيش الذي اعتدى على النساء والشيوخ في ساحات الأقصى الشريف ..وقتل وجرح وسجن الآلاف ، بل عشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء .. ها هو اليوم يذوق بعض ما جنته يداه ..
تحطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر .. فعلى مدى أربعين يوما في غزة .. لم يستطع أن يحقق شيئا .. سوى قتل آلاف المدنيين الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ ، وتدمير العمارات والبيوت والأحياء ، وتدمير المستشفيات وسيارات الأسعاف وكافة مقومات الحياة .. جيش جبان لا يستطيع أن يحقق أي انجاز بشرف ، إنها إنجازات الجبناء الذين يختبؤون وراء الجدران في القرى المحصنة ، كما أن دماء الأبرياء والأطفال ستطوق أعناقهم وتغرقهم في الدنيا قبل الآخرة ، إن دماء شهداء غزة وجرحى غزة ستكون لعنة ونارا تحرق أرواحهم النجسة الخبيثة .
تحطمت أسطورة دولة الاحتلال ، هروب مذعور باتجاه المطارات ، فلم تعد الأرض آمنة تحت أقدامهم ، ولا السماء آمنة فوق رؤوسهم ، إنه مصير الظالمين الطغاة في كل زمان ومكان .. مرعوبين صاغرين ، يتلفتون حولهم ، يحسبون كل صيحة عليهم ، وكل نظرة إليهم ، فما أن يسمعوا صفارات الإنذار حتى يطلقوا لأرجلهم العنان بالهروب المذعور ..
إن هذا الاحتلال لا يعرف غير لغة واحدة هي لغة القوة ، أو لغة البندقية والرصاص ، لغة الصاروخ ، لن يحسب هذا الاحتلال الجبان حسابا لأحد ، إلا لمن يحمل الصاروخ والبندقية ، وبغير ذلك لا يعترف بقانون دولي أو معاهدة أو اتفاقية أو أي ميثاق إنساني ..
إنه الذعر والرعب والهلع هو الذي سيخرجهم من أرض فلسطين ، ليعودوا من حيث جاؤوا ، ليعودوا إلى البلدان التي جاؤوا منها ، قبل أن تكون فلسطين مقبرتهم .
إنها المقاومة الملائكية التي تتصل فيها الملائكة بالأرض تثبت الذين آمنوا ، وتنتخب منهم الشهداء .
إن استمرار هذه المقاومة مهما كانت التنازلات هي التي ستعجل برحيل الصهاينة ، وهي التي ستحيل حياتهم جحيما ، فيسارعون بالرحيل ..
من المبشرات في حرب الإبادة التي يمارسها الجيش الجبان على مدنيي غزة ، الصمود الأسطوري الذي تسجله غزة بكافة ساكنيها ، من شيوخ ونساء وأطفال ومقاومة ، فالجميع متفقون على المقاومة وعلى النصر أو الشهادة ، الكل يقاتلون بجسد واحد كالبنيان المرصوص . إن هذا الصمود الأسطوري .. وهذا الصبر وهذه القوة التي تُرى في عيون رجال ونساء وأطفال غزة ..تشير بوضوح كبير إلى اقتراب النصر ، وبداية النهاية للاحتلال الغاشم ، وبداية الأفول لدولة الاحتلال .