الهيئات الشرعية بين خدمة الدين والمتاجرة بالدين أ.د كمال توفيق حطاب
الهيئات الشرعية بين خدمة الدين والمتاجرة بالدين
أ.د كمال توفيق حطاب
لا أحد يشكك في فضل العلماء وأفضلية العلم الشرعي على سائرالعلوم .. ولا أحد يستطيع أن يتهم عالما يعمل بعلمه ينصر الحق ويقف ضد الظلم وينصر المظلوم .. فالعلم الشرعي مميز على سائر العلوم بالخيرية التي شهد بها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : خيركم من تعلم القرآن وعلمه .. من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين .. وكذلك العلماء العاملون مميزون بفضلهم ومكانتهم، قال تعالى ” قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ” ..
غير أن ذلك لا يمنع من وجود فئة ممن حصلوا على ألقاب العلماء ولبسوا زي العلماء وحضروا مجالس العلماء أن يكونوا من المتاجرين بعلمهم ودينهم .. ويشهد لذلك الحديث الصحيح الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي ذكر فيه أن من أوائل من تسعر بهم النار يوم القيامة .. عالم يقول يارب تعلمت العلم فيك .. فيقال له بل تعلمت ليقال هو عالم وقد قيل ..
يصدق هذا الكلام على كل من أطلق عليه لقب عالم في هذا العصر ، لكنه يقف إلى جانب الطواغيت وأهل الباطل ، يزين لهم باطلهم ، ويصدر لهم من الفتاوى ما يرضيهم ويرضي أهواءهم ..
كما يصدق أيضا على من وقفوا إلى جانب أصحاب رؤوس الأموال يمتدحونهم ، ويثنون على نواياهم ،ويوجدون لهم المخارج والحيل ، ويذللون لهم كل أمر عسير ، يعظمون لهم الأرباح على حساب الفقراء ومحدودي الدخل من الشعوب الكادحة .. كل ذلك في سبيل مكافآت ورواتب ودخول تُضخ في حسابات هؤلاء العلماء .. فتتورم حساباتهم ، وتتزايد أسهمهم في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، فيفرحون ويطأطئون .
إن عمل الهيئات الشرعية .. محفوف بالشبهات .. وإن الكثير من الشرعيين يأبون الدخول في هذه الهيئات ، كما أن بعض من دخل فيها قد خرج منها طواعية أو أخرج منها بسبب تمسكه برأيه الذي يراه حقا ، ولكن عددا لا باس به من أعضاء هذه الهيئات الشرعية .. لا يزال يميل حيث تميل ريح أصحاب رؤوس الأموال ، ويصفق لهم ويختم ويبصم على كل ما يقترحونه أو يفرضونه من أدوات أو طرق تزيد من أرباحهم .. وتقلل من مخاطرهم ، ولو كان ذلك على حساب الفقراء ومحدودي الدخل ..
إن المتاجرة بالدين هي من أخطر أنواع المتاجرة المحرمة ، فهي أخطر من المتاجرة بالبشر ، وأخطر من المتاجرة بالشرف وأخطر من تبييض الأموال .. فهي جرأة على الله ، وتطاول عليه ، وانحراف بالدين عن دوره الحقيقي في ترسيخ مبادئ العدالة والرحمة والمصلحة للإنسانية جمعاء .. المتاجرة بالدين تزوير وتحريف وخداع للشعوب ، وتكريس للظلم والباطل ودعم للظالمين والمغتصبين للحقوق ..
إن من الواجب على العلماء أن يرفعوا قدرهم ويحترموا مكانتهم ولا يكونوا تبعا وغرضا لكل هاو مغامر دافع للمال .. إن من الواجب عليهم أن يجعلوا لأنفسهم كيانا ماديا أو معنويا .. يحفظ حقوقهم ويضع المعايير لمهنيتهم بحيث لا يكونون صيدا سهلا لمن يدفع أكثر .
إن من الواجب على العلماء أن يتطهروا حتى تتطهر الشعوب ، أن يعفوا ولا يرتعوا حتى تعفّ الشعوب ولا ترتع ..
إن وجود نقابة على مستوى كل دولة أو اتحاد للمراقبين الشرعيين على مستوى العالم الإسلامي ، بات ضرورة شرعية ومهنية لا بد من تحقيقها ، إذا أريد لمهنة الرقابة الشرعية أن تبقى نظيفة شريفة بعيدة عن الشبهات والمزايدات .