معايير مصرفية إسلامية غائبة أ.د كمال توفيق حطاب
معايير مصرفية إسلامية غائبة
أ.د كمال توفيق حطاب
تحرص هيئة المعايير الشرعية والمحاسبية الأيوفي على وضع المعايير الشرعية الضرورية لضبط الصناعة المصرفية الإسلامية ، وفي هذا السياق فقد تم وضع أكثر من ثمانين معيارا لكافة المعاملات المصرفية الإسلامية ..
غير أنه توجد بعض المعايير الأكثر أهمية وضرورة ولا نكاد نجدها ضمن المعايير المطروحة .. ومن ذلك معايير رفع الظلم والإذعان والاستغلال والجشع والتواطؤ وغيرها من الأخلاقيات التي يرفضها الإسلام وترفضها كافة الشرائع السماوية وغير السماوية .. فهل يمكن وضع معايير لهذه الأمراض الاجتماعية المنتشرة في كثير من البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وغير الإسلامية ؟ هل يمكن توصيف الظلم ووضع محكات له يمكن قياسها واستبعادها من المعاملات ؟ هل يمكن وضع حدود أو خطوط حمراء يكون الظلم بعدها فاحشا وبالتالي تبطل المعاملات أو العقود المشتملة عليه ، كما هو الحال بالنسبة للغرر الفاحش ؟
لقد وضع بعض العلماء عدة معايير للتعرف على الغرر الفاحش : بقولهم الغرر الفاحش هو الغرر المؤدي إلى النزاع ، الموجود في أصل المعاملة وليس فروعها أو توابعها ، أو ما كانت قيمته أكثر من عشرة بالمئة من قيمة العقد أو المعاملة ..إلخ هل يمكن إيجاد معايير للظلم تشبه معايير الغرر الفاحش المذكورة ؟ مثل أن نقول : إذا كان العميل مكبلا بقيود أو رهون لا حصر لها .. إذا كانت المعاملة وهمية وليست حقيقية .. إذا كان دخل العميل لا يسمح له بالسداد .. إذا كان العميل يتحمل كافة التكاليف المتعلقة بالعين المباعة أو المؤجرة مثل تكاليف التسجيل في حالة العقار أو السيارات وتكاليف النقل في الأعيان المنقولة كالحديد والإسمنت والمفروشات والكهربائيات وتكاليف الصيانة والرسوم القضائية في حالة حدوثها في الإجارة المنتهية بالتمليك وتكاليف الإدارة في المشاركة المتناقصة .. إلخ
هل يمكن إلزام البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية بحدود معينة في تعاملاتها المصرفية بحيث تبتعد عن الظلم والإذعان والجشع ؟
إن المتأمل في تحريم الربا كأخطر آفة تصيب السلوكيات المالية المصرفية ، يجد أن الأخذ بالعدل واجتناب الظلم هو أساس الحكمة في التحريم .. إن الفرق بين التعاملات المصرفية الإسلامية والربوية هو في التزام العدل في الأولى وتحقق الظلم في الثانية ، فالمشاركة بالغنم والغرم تقوم على العدل بينما يقوم الربا على الظلم والاستغلال ..
إن وضع معايير دقيقة للظلم تعيننا في فهم الفروق الواضحة الأكيدة بين الربا أو الفائدة المصرفية والعائد الحلال .. فإذا كانت كلها تقوم على الظلم والاستغلال عندئذ تكون جميعها محرمة لا فرق بين فائدة أو ربا أو عائد .
فمما لا شك فيه أن اقتسام الربح والخسارة بين الشريكين عدل ظاهر أما استئثار أحد الطرفين بالربح والآخر بالخسارة فهو ظلم واضح .. وكذلك الأمر في التمويل الإسلامي فاستئثار الممول بالربح دائما دون ادنى درجة من تحمل مخاطرة الخسارة فيه ظلم واضح أما تحمل الطرفين الممول وطالب التمويل للخسارة في حالة وقوعها فهو عدل ، مطلوب تحققه والحرص عليه ..