الرأسمالية المظلومة ؟؟ أ.د كمال حطاب
الرأسمالية المظلومة ؟؟
أ.د كمال حطاب
يقف الناس من النظام الرأسمالي مواقف متعددة ، فمنهم من يعتبره النظام الحتمي الوحيد الذي يصلح للبشرية ، بل إنهم يقولون بأن التاريخ قد توقف عند هذا النظام ، فلن تجد البشرية لها نظاما أفضل منه على مر الأزمان ، كما يقول فوكوياما في كتابه ” نهاية التاريخ ” .. ويؤيده في هذه النتيجة كثير من المفكرين الغربيين ، مثل توماس فريدمان في كتابه ” السيارة لكزس وشجرة الزيتون ” وغيره كثير .
ومن الناس من يعتبر الرأسمالية سببا لكافة الكوارث التي تعرضت لها البشرية في القرنين الماضيين ، ومن هؤلاء جورج جيلدر في كتابه ” الأغنياء والفقراء ” ، ودسلر في كتابه ” السياسة الاقتصادية الخارجية والعالم ، ولستر ثارو ، وغيرهم كثير .
يقول لستر ثارو في كتابه ” مستقبل الرأسمالية ” ، بأن النظام الرأسمالي ” صار غابة تولّد الإجرام والتشرد والظلم الاجتماعي .. فالجريمة في النظام الرأسمالي تعد نشاطًا اقتصاديا” .
ومع ذلك فإن بعض المسلمين اليوم يدافع عن الرأسمالية والرأسماليين ، ويشيد بأمجاد الرأسمالية والحضارة المادية التي أقامتها ، والإنجازات العلمية والتكنولوجية ، والعلوم والنظريات في مختلف التخصصات .
وهؤلاء يركزون على الجانب المادي المشرق من الصورة ، ويتجاهلون الجانب المظلم المتوحش ، فالرأسمالية لها جوانب سوداء مظلمة ، في مجال القيم والأخلاق ، فالنظام الرأسمالي هو النظام الذي رخص للشذوذ الجنسي وتجارة البغاء والإجهاض وتجارة الأسلحة المحرمة والأفلام الخليعة وتعاطي بعض أنواع المخدرات ، وسمح بكافة أنواع الاعتداءات على الجنس البشري .. التلوث ، والتصحر ، وطبقة الأوزون ،والإشعاعات ، وارتفاع حرارة الأرض .. إلخ
إن أخلاقيات الرأسماليين لا يمكن النظر إليها من خلال أدب التعامل عند معظم الناس في المجتمعات الغربية أو تطور البحث العلمي في الجامعات والمعاهد العلمية العريقة ، أو كثرة التبرعات الوقفية .. ولكنها تظهر واضحة في صفقات أسلحة الدمار ، وفي التجارب العلمية المتوحشة التي تجعل البشر كحيوانات التجارب ، وفي الأفلام السينمائية الإباحية التي اعتدت على كافة الفضائل الإنسانية ، وفي الحروب القذرة التي تشنها الدول القوية على الدول الضعيفة دون أي مبرر أخلاقي ..
إن وحشية الرأسماليين يمكن النظر إليها من خلال سلوكيات الشركات متعددة الجنسية التي تجوب العالم لا يهمها سوى زيادة الأرباح ، ومن خلال سلوكيات الدول القوية في الأمم المتحدة ووقوفها إلى جانب الظلم والباطل الذي يخدم مصالحها على حساب الشعوب الضعيفة والدول الفقيرة .
إن وحشية الرأسماليين يمكن النظر إليها من خلال تركز معظم النقود ووسائل الدفع بأيدي حفنة صغيرة لا تتجاوز المئات ، يتداولون هذه الأموال بكافة أشكال المقامرات ، بما يحقق لهم أرباحا فلكية ، في الوقت الذي يعاني فيه مليار إنسان من المجاعة وسوء التغذية ، ويعاني مئات ملايين البشر من البطالة وسوء الرعاية الصحية والتعليمية ، كما يعاني الملايين من مشكلات اللجوء والنزوح والتشرد .
إن مقولة الرأسمالية المظلومة لا يمكن الدفاع عنها بأي حال من الأحوال ، فهي رأسمالية ظالمة متوحشة ، تبدو آثارها الوخيمة واضحة للعيان في معظم أنحاء العالم التي تنتشر فيها الحروب ، والمجاعات ، والفقر ، والتشرد واللجوء والنزوح ، واضطهاد المرأة ، وتشغيل الأطفال ، واستغلال الفئات الضعيفة .
إن التقدم العلمي والتكنولوجي عندما يكون مقدما على الأخلاق والقيم فلا خير فيه . إن الحضارة المادية إذا لم تترافق مع السمو الروحي والأخلاقي فلا شك أنها حضارة جوفاء ، قد تحقق للإنسان بعض مظاهر الرفاهية المادية ولكنها لن تحقق له سعادة ولا عدالة ولا أمنا .