عودة إلى الصفحة الرئيسية

الفتاوى المعتبرة والفتاوى الشاذة أ.د كمال حطاب

الفتاوى المعتبرة والفتاوى الشاذة
أ.د كمال حطاب
عندما تكون الفتوى صادرة عن اجتهاد فقهي أصيل، متجردة عن المصالح والأهواء والضغوط، بعيدة عن المزايا والمكافآت والحوافز المادية، يمكن القول بأن هذه فتاوى معتبرة محترمة ..
أما إذا كان الحال غير ذلك فإن هذه الفتاوى تكون محفوفة بالشبهات وربما تكون فتاوى مضللة أو باطلة، وعلى سبيل المثال فمعظم الفتاوى التي نصت على عدم ربوية الفائدة المصرفية، نجدها قد صدرت عن علماء يشغلون مناصب سياسية .. أي علماء سلطة، وهؤلاء في معظمهم واقعون بين ضغوط سياسية ومزايا مادية يخشون فواتها، وبالتالي فإن فتاواهم ليست معتبرة عند كافة العلماء المعتبرين في هذا العصر ..
ويصدق نفس القول على بعض فتاوى الكورونا في الوقت الحاضر، حيث نجد معظم الفتاوى التي بررت للحكومات إلغاء صلاة الجمعة، وصلاة الفجر في المساجد، بحجج واهية، يعترض عليها كثير من أهل الاختصاص الطبي، قبل أهل الاختصاص الشرعي.
من الأمور البديهية في الإفتاء، وخاصة في فتاوى رمضان، أن الفتوى الشرعية تكون مبنية على الرأي الطبي، فإذا قال الطبيب بأن الصوم سيؤدي إلى ضرر محقق على الصائم، عندها فإن المفتي يصدر فتواه بالترخيص بالإفطار، وحرمة الصوم في هذه الحالة، فمن أساسيات دين الإسلام قوله تعالى “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ” (الحج، 78)، وقوله صلى الله عليه وسلم “لا ضرر ولا ضرار”. وكذلك كانت قرارات مجمع الفقه الإسلامي الخاصة بالأمور الصحية والطبية مبنية على رأي خبراء الطب والصحة.
فلماذا لم تكن فتاوى الكورونا كذلك، ولماذا تغولت الحكومات على جهات الفتوى، ولمصلحة من يصدر قرار إلغاء صلاة الجمعة على المسلمين، وكذلك صلاة الفجر، وصلاة العشاء، وكذلك إغلاق المساجد؟
إن الاجتهادات والفتاوى المحترمة لا يجوز أن تكون خاضعة للقرارات الحكومية، وإنما تكون القرارات الحكومية تابعة لها، كما لا يجوز أن تخالف إجماع الأمة، أو تخالف رأي خبراء الطب والصحة.

وقد يقول البعض إن هذه الفتاوى هي اجتهادات محترمة، وينبغي أن نحسن الظن بجهات الفتوى رسمية كانت أو أهلية، وأقول إن هذه المسائل ليست مسائل اجتهادية حتى نقر بالاحترام لأهل الإفتاء، وإنما هي محل إجماع المسلمين خلال أربعة عشر قرنا، ولم يجرؤ أحد من المفتين أو الحاكمين في التاريخ على إصدار قرار بإلغاء صلاة الجمعة أو إلغاء صلاة الفجر في المساجد، بل إن الثابت تاريخيا أن الناس كانوا يتوجهون إلى المساجد عند وقوع البلاء، يتضرعون إلى الله حتى ينكشف البلاء، عملا بقوله تعالى ” فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الأنعام: 43].
فالمسألة إذن، هي في خضوع بعض المفتين لضغوط سياسية أو اقتصادية، وبالتالي فإن الرأي الشرعي أو الفتوى تكون متأثرة بهذه الضغوط والمصالح، وعندها فلن تكون هذه الفتوى معتبرة. حتى يتحرر المفتون من هذه الضغوط والمناصب التي تكبلهم وتكمم أفواههم.
إن المطلوب من جهات الفتوى في كل بلد، أن تحصن نفسها ضد الفتاوى الشاذة، بأن تضع معايير لاعتماد الفتوى أو رفضها، ومواصفات لمن يحق له الإفتاء، وفي حالة رفض أي فتوى يطالب صاحبها بالرجوع عنها، قبل أن يتم شطبه من قائمة المفتين أو عضوية المجالس الخاصة بالإفتاء، أو وضعه على القائمة السوداء في مؤسسات الأوقاف والشؤون الدينية.
إن المطلوب في كل بلد إسلامي إيجاد جهاز فتوى مهني مستقل، أشبه بالمحكمة الدستورية ، بحيث تكون قراراته أعلى من قرارات الحكومة وقرارات لجان الفتوى الرسمية، بحيث يمكنه شرعا وقانونا إلغاء أي قرار أو فتوى شاذة تلحق الضرر بالمجتمع أو تتسبب بالحرج أو الفتنة بين الناس.

أكتب رداً:

You must be logged in to post a comment.

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]