الغربة وجائحة كورونا ا. د كمال توفيق حطاب
الغربة في ظل انتشار الكورونا شديدة ومؤلمة ومختلفة عن الغربة دون الكورونا، فالكورونا وحدها وما رافقها من ترهيب إعلامي عالمي كانت ثقيلة جدا، فأضافت الكورونا إلى الغربة ألما على ألم.
عندما يغيب الإنسان عن بلده فإنه يشتاق إلى كافة ربوع بلده، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، يشتاق إلى كل الناس، كل شارع ، كل شجرة وكل حجر، .. ، ويتطلع إلى أخبار البلد بالكامل، وينظر إلى نفسه وكأنه الوحيد الذي يمثل بلده في الخارج، وعندما يعود، وما أن يدخل المطار حتى يجد نفسه فردا بين جموع الأفراد ورأسا بين الرؤوس، ورقما بين الأرقام .. فينغمس بمشكلات الناس وقضاياهم وتأوهاتهم وشكاواهم، ونصائحهم وتعليقاتهم .. لماذا رجعت؟ خليك في الخارج .. الحياة لا تطاق، الفساد .. الحرامية .. المحسوبية .. الوظائف الواسطة .. أزمات الطرق .. الباص السريع .. الخ .. وما هي إلا ساعات أو أيام حتى يتشكل في العقل والقلب إحساس بضرورة المغادرة .. والفراق من جديد .. هكذا عشنا ما يقارب الثلاثين عاما في الغربة.
إن غربة الكورونا في الوقت الحاضر، كانت هي الأشد، حيث فرضت أحكاما جديدة .. ومع الإغلاق وتعطل المطارات وفحوص البي سي آر .. أصبح التنقل بطيئا .. ومع انتشار العدوى .. مكث الناس في بيوتهم بانتظار الفرج، فضاعفت آلام الكورونا من آلام الغربة ..
ولا يزال العالم يترقب مصير الكورونا وسلالاتها المتحورة، ومصير مليارات البشر الذين تلقحوا أو ينتظرون التلقيح، الكل يترقب تعاليم منظمة الصحة العالمية بتخفيف إجراءات الحظر، ورفع الإغلاق الجزئي، والانتقال إلى المرحلة الخامسة، حيث يمكن فتح الأسواق والصالات والمطاعم والفنادق والمطارات وكل شيء تقريبا، بحيث تعود الحياة إلى طبيعتها، مع الالتزام بالشروط الصحية العامة، فهل سيتحقق ذلك؟
المراقب لسلوك الشركات العالمية لا يتوقع أن تكتفي هذه الشركات بما حققته من أرباح عبر بيع المستلزمات الطبية واللقاحات والأجهزة الطبية، ولا بد لهذه الشركات أن تجد المبررات لجعل التطعيم دوريا، كل سنة على الأكثر، وربما كل ستة شهور ..
المراقب لسلوك هذه الشركات لا يرتجي منها خيرا ، فهي شركات رأسمالية مادية ،هدفها الأكبر هو تحقيق الأرباح ، ولو أدى ذلك إلى وفاة ملايين البشر ، ومع ذلك وفي ظل انتشار هذا الوباء فلا يملك الناس إلا التداوي والأخذ بالأسباب ، وبالأحوط ، وأخف الضررين ، ولا يملكون إلا أن يسيروا مع القطيع أو مع تحقيق مناعة القطيع ، كما يقولون .
هل ستتعافى المجتمعات وتعود إلى وضعها الطبيعي في فترة قصيرة ؟.. هل ستتراجع معدلات الإصابة بالمتحورات والسلالات الجديدة ؟ هل سيزداد الناس التزاما ومصداقية ورجوعا إلى الله ؟ هل ستنخفض معدلات الجريمة والاعتداء ؟ وتنخفض مخالفات وحوادث السيارات ؟
إن الدراسات والاستطلاعات تشير إلى الأسوأ ، فمع تدهور الحياة الاقتصادية لدى الشعوب ، يلجأ الناس إلى أساليب من الانتهازية والاحتيال بشكل غير مسبوق ، ومع ازدياد معدلات الفقر تزداد معدلات الجريمة والفساد كما هو معروف في الدراسات الاقتصادية والاجتماعية ، ومع حياة الحظر والحجر يزداد الاكتئاب والقلق والأمراض النفسية مما يزيد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
نسأل الله أن تكون الاستطلاعات والدراسات الاقتصادية والاجتماعية خاطئة ، وأن يتحقق التعافي في كافة مرافق الحياة ، وتعود البشرية إلى سابق عهدها، وتعود حركة الطيران، ويرجع الناس إلى بلدانهم، ويلتقوا أحبابهم، وتستمر الانتقادات، ويستمر السفر والاغتراب، وهذه هي سنة الحياة.