عودة إلى الصفحة الرئيسية

الرأسمالية المتوحشة أ.د كمال حطاب

عندما تقف الرأسمالية العالمية وأصحاب رؤوس الأموال مع الصهاينة المعتدين ، الذين يقتلون المدنيين في غزة ، ويدمرون البيوت والأبراج السكنية والإعلامية ، ويقصفون المستشفيات والمدارس وحتى مراكز فحص الكورونا ، عندئذ لا يمكن أن توصف هذه الرأسمالية إلا بأنها رأسمالية مجرمة متوحشة .
عندما تطالب شركات رأسمالية بعض لاعبي كرة القدم أو بعض الممثلين أو الممثلات الذين رفعوا علم فلسطين أو أعلنوا تضامنهم مع فلسطين ، عندما تطالبهم بالاعتذار وتطالب جهات عملهم بمعاقبتهم ، عندئذ لا يمكن أن توصف هذه المطالبات إلا بأنها رأسمالية مجرمة متوحشة .
وعندما يتعاطف الناس مع حرب الإبادة الجارية ضد الفلسطينيين ، على مواقع التواصل الاجتماعي ، وتقوم إدارات هذه المواقع بحذف هذا التعاطف أو التعليقات أو الصور الفاضحة للجرائم الصهيونية . عندئذ لا يمكن أن توصف هذه الإجراءات إلا بأنها رأسمالية مجرمة متوحشة خارجة عن القانون الدولي والإنساني .

في التسعينات قرأت كتاب ” من يجرؤ على الكلام ” لبول فيندلي ، والكاتب هو عضو كونغرس أمريكي فاز بمقعده في الكونغرس ثلاث مرات قبل أن يسمع بفلسطين أو يتعرف على عدالة القضية الفلسطينية ويناصرها ، فلما فعل ذلك خسر مقعده في الكونغرس بعد تدخل اللوبي الصهيوني ضده . يكشف الكتاب عن حجم هذا اللوبي ودوره في حشد الدعم لدولة الاحتلال ، وكيف يُهدّد أعضاء الكونغرس من خلال الشركات الرأسمالية التي تدعم المرشحين أو تحجب الدعم عنهم ، إذا لم يكونوا مناصرين للصهاينة . إنها شركات رأسمالية مجرمة .
للمرة الثالثة خلال أقل من عشر سنوات ، تتكرر جريمة الإبادة الوحشية في غزة أمام مرأى العالم وسمعه .. إبادة للبشر والشجر والحجر ..
للمرة الثالثة تتكشف عدالة ما يطلق عليه الشرعية الدولية التي ترى بعين واحدة ، وتكيل بمكاييل متعددة ، العدالة التي تدين الضحية وتقف مع المجرمين .
للمرة الثالثة تكتشف شعوب العالم ، كم هو حجم التغول الصهيوني على مراكز صنع القرار في العالم ، وكم هي هذه المراكز ظالمة ومتحيزة ، لا يهمها سوى تحقيق مصالحها ، بعيدا عن المعايير الأخلاقية أو الإنسانية .
أكثر من 700 قرار من قبل مجلس الأمن والأمم المتحدة تدين دولة الاحتلال ، ومع ذلك لم يطبق منها أي قرار ..
ولعلها المرة الأولى التي ترى شعوب العالم ما يجري في فلسطين من جرائم وحشية ، دون أن تتمكن الأدوات الإعلامية للصهاينة من تغطية الحقيقة ، ولعلها المرة الأولى التي يتعاطف معظم شعوب العالم في مختلف القارات مع القضية الفلسطينية ، وتطالب بإحقاق الحق ، وتحرير فلسطين .
غير أن أثر هذا التعاطف لم يكن على قدر الجرائم الوحشية التي ارتكبت ، إن المطلوب في حده الأدنى هو مقاطعة الشركات الرأسمالية الداعمة للصهيونية ، وفضح أصحاب هذه الشركات الذين يتظاهرون بالإنسانية والرحمة ، وهم في الحقيقة أول من يدعم السلوك الإجرامي للصهاينة ، وبالتالي هم شركاء في الجريمة يجب معاقبتهم والتشهير بهم وبشركاتهم .
أفرزت الحرب الأخيرة ما أطلق عليه النضال الإلكتروني عندما تحول معظم الناس في فلسطين وغيرها إلى مناضلين على مواقع التواصل الاجتماعي يدعمون الحق ويقفون ضد المعتدي ، وقد برز عدد من النشطاء في فلسطين والعالم في هذا المجال ، إن المطلوب أن تتحول فلسطين إلى برامج تلفزيون الواقع عبر كافة المنصات من أجل فضح المعتدين ومن يناصرهم من شركات رأسمالية كبرى ، وكشف الحقيقية بشكل دائم .
إن المطلوب في المرحلة القادمة التركيز على رحيل الاحتلال وإعادة الحق إلى أصحابه ، فهذا الاحتلال لا يعرف سوى لغة المقاومة ، ولا يخضع إلا لمن هو أقوى منه عسكريا ، وإعلاميا ، وإلكترونيا ، وتفاوضيا .
إن القوة التفاوضية هي سلاح مهم عندما تكون بأيدي الضاغطين على الزناد .. أما إذا كانت بأيدي المتاجرين بالقضية واللاهثين وراء مصالحهم فإنها لن تحقق شيئا سوى الخزي والعار والخيانة .

أكتب رداً:

You must be logged in to post a comment.

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]