ماكدونالد وستاربكس .. وحليب الأمهات أ.د كمال حطاب
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ودخول المطاعم الأمريكية إلى روسيا ، وقف الناس على أقدامهم طوابير طويلة، تمتد مئات الأمتار بانتظار وجبات البرغر والبيبسي من ماكدونالد .., وبعد انتهاء الإغلاق من كورونا وقف الناس في سياراتهم في بعض الدول العربية في طوابير تمتد كيلومترات طويلة بانتظار قهوة ستاربكس ..
يقول توماس فريدمان في كتابه السيارة لكزاس وشجرة الزيتون .. لو كانت مطاعم ماكدونالد موجودة في العراق وأفغانستان قبل الاحتلال لما وجد الجيش الأمريكي أية مقاومة .. لأنه من المستحيل أن تحصل حرب بين بلدين يوجد فيهما مطاعم ماكدونالد .
هل توجد علاقة بين الطعام والشراب والتربية والمقاومة ؟ هل هي نوعية الطعام والشراب أم هي طريقة تناول الطعام والشراب ؟ أم هي طريقة الحصول على الطعام والشراب؟
مما لا شك فيه أن كل هذه العوامل والتي يطلق عليها أنماط الاستهلاك قد تكون أنماطا وطنية أو تكون غربية مستوردة ، مما سيكون له أثر كبير في التربية وبناء الأجيال وتحديد هوية المجتمع ، بل إن لهذه العوامل أثر كبير في تحقيق الاستقرار والتنمية والازدهار والاستقلال الوطني .
فعندما تعتاد الأجيال منذ الصغر على الوجبات السريعة المستوردة ومشروبات الكاكاو والشوكولا الغربية مع الكاراميل أو السينابون أو غيرها من النكهات والإضافات التي تجعل الطفل معلقا بهذه المشروبات والأطعمة المرافقة ، ويظل يتوق لها ويشتاق إليها كلما ابتعد عنها .. فإن علاقة قوية سوف تنشأ بين هذه الأجيال ومنتجي هذه الوجبات السريعة ومرفقاتها من مشروبات ساخنة وباردة .
إن مثل هذه الأجيال لن تتوق إلى الطعام والشراب الذي تعده الأمهات في البيوت ، لن يتوق أحد من هذه الأجيال إلى ” سندويشة ” الزيت بالزعتر أو اللبنة أو المربى البيتي .. وهنا سوف يكون الانتماء إلى صانعي الأطعمة المستوردة أكبر من الانتماء إلى إنتاج الأمهات أو حتى الإنتاج المحلي أو الوطني .
إن قضية الانتماء الوطني ، ليست مجرد أناشيد يحفظها الطلبة في المدارس ، ولا هي ثقافة وطنية تدرس في الجامعات أو تاريخ أو تراث أو فلكلور .. وإنما هي قبل كل شيء عادات وسلوكيات قويمة تربط الناس بخيرات بلادهم ، كما تربطهم بحليب أمهاتهم ..
إن قضية الانتماء المجتمعي تنبني على صلة الرحم والتكافل الاجتماعي ، كما تنبني على بناء علاقات قوية بالأرض وما عليها من زروع وثمار وبساتين ، علاقات قوية بمنتجات الأرض من قمح وزيتون ورمان وتين وعنب وغيرها من محاصيل زراعية ومائية وحيوانية ..إلخ .
إن المنتج الوطني له قداسته في كل بلد مستقل يحترم نفسه وأبناء شعبه ، فتقدم له الحكومات كل دعم ، من أجل استمراره حفاظا على استمرارية تحقيق الأمن الغذائي والهوية الوطنية ، حيث تقدم دول أوروبا مئات مليارات اليورو دعما للمزارعين ، وكذلك تفعل أمريكا دعما للمنتج الوطني وحفاظا على استمراريته .
إن إنتاج منتجات ذات مذاقات ونكهات متقدمة من الأعشاب المحلية والوجبات الوطنية والشعبية ، وعمل معايير ومواصفات وخصائص ثابتة لها ، وتسويقها محليا وعالميا ، يمثل تحديا كبيرا للحكومات ، ولرجال الأعمال من القطاع الخاص ، يعبرون من خلاله عن انتمائهم لأوطانهم وعن حرصهم على مستقبل الأجيال القادمة ، حتى لا تقع فريسة للنمط الاستهلاكي الأجنبي ، الذي يفقد الإنسان استقلاليته وهويته الثقافية والأخلاقية .
إن الاستقلال الوطني لن يكون كاملا ما لم تتحرر الأجيال من إدمان الوجبات السريعة ونكهات ومذاقات المشروبات الغازية الأجنبية، وقبل ذلك نكهات التبغ ومشتقاته وتوابعه .
إن الانتماء الوطني ليس مجرد كلام عاطفي يتردد على ألسنة بعض الإعلاميين ، بل هو قبل كل شيء تضحية وعطاء وإيثار ودعم للمنتج الوطني ودعم لصغار المنتجين ، ودعم وتسهيلات تقدم لأصحاب المنتجات الشعبية والتراثية التي تمثل تاريخ المجتمع وهويته الثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية .. إلخ