لماذا يحسدوننا ؟ أ.د كمال حطاب
لماذا يحسدوننا ؟
أ.د كمال حطاب
دعيت للإفطار على ” الشكشوكة ” في مطعم في إحدى ضواحي مدينة بوسطن، فأيقنت في نفسي بأننا متوجهون إلى مطعم عربي ، وقد فوجئت عند النظر في قائمة الطعام بوجود ما يسمى ” Israil breakfast ” مكونة من البيض واللبنة والزعتر والجبنة والطحينة .. إلخ وأكلة أخرى أطلق عليها ” تل أبيب” وأخرى تسمى ” يافا سالاد ” فسألت هل هذا مطعم إسرائيلي ، فقالوا ربما يكون صاحبه من أصول يهودية . فقلت إن هؤلاء لا يكتفون باحتلال فلسطين وتشريد الشعب الفلسطيني ، بل يقومون بتسويق أنفسهم وتلميع احتلالهم الظالم أمام العالم .
لم أستغرب كثيرا هذه الحال ، ودولة الاحتلال العنصرية تحاول طمس هوية فلسطين الإسلامية وكل ما يتعلق بها من مدن وأحياء وشوارع وعادات وطعام وشراب وأزياء فلسطينية ، وكل شيء يشير إلى فلسطين ..
فلماذا ينافس اليهود المحتلون المسلمين على طعامهم وعلى لباسهم وأكلاتهم وأسماء مدنهم وتاريخهم ، ولماذا ينافسونهم على مقدساتهم ؟ أليس لهم مقدسات خاصة بهم ؟ ألا يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار ؟ لماذا لا يكتفون بمقدساتهم ؟ ما هو سر هذا الحسد والعداوة للمسلمين ؟ ألا يعتبرون أنفسهم متفوقين وأذكياء ، وحملة جوائز نوبل؟؟ ، فلماذا يحسدون المسلمين ويزاحمونهم على كل شيء ؟
يبدو أن هذا الحسد والحقد على المسلمين يعود إلى أكثر من ألف وأربعمئة سنة ، فقد علم اليهود قبل الإسلام ومما ورد في كتبهم أن نبيا سيبعث في مدينة يثرب ، فحضروا إليها وأقاموا حصونهم فيها بانتظار ظهور النبي ، ظنا منهم أنه سيكون منهم ..فلما ظهر النبي محمد صلى الله عليه وسلم من العرب وليس منهم .. خابت آمالهم وناصبوه العداء وتآمروا على قتله وتحالفوا مع المنافقين والمشركين ضده صلى الله عليه وسلم ” .. فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿البقرة ، 89﴾
ومنذ ذلك الوقت بدأ الحسد يكبر في نفوسهم ” وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ .. ” ( البقرة ، 109)
إنهم يحسدون المسلمين منذ البعثة .. على كل مسجد أو أرض مقدسة ، وبالتالي يعتبرون أنفسهم أحق بها ، يحسدون المسلمين على أنبيائهم ، فينافسون في إبراهيم عليه السلام ، ففند الله زعمهم ” مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ” ( آل عمران ، 67)
إنهم يستكثرون على المسلمين حقهم في عبادة الله ، وفي أن يكون لهم مساجد .. فها هو الحرم الإبراهيمي في الخليل قد صادروه ، وها هو مسجد بلال في بيت لحم ، وقبل ذلك عشرات المساجد في فلسطين قد صادروها واستغلوها أبشع استغلال ..
وها هم اليوم ينافسون بشراسة على المسجد الأقصى ، وقد بنوا أكثر من مئة كنيس حول المسجد الأقصى ، كان آخرها كنيس الخراب الذي هو إشارة لخرابهم وخراب بيوتهم .. ، إنهم يحاولون بكافة الطرق غير القانونية بناء معبدهم المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى ؟
وها هم يزاحمون المسلمين في بيوتهم ؟ وأراضيهم ومزارعهم ومقابرهم ؟ يزاحمونهم في أسواقهم ونواديهم ؟.يزاحمونهم وينافسونهم في طعامهم وشرابهم ، وينسبون لأنفسهم معظم العادات والتقاليد الفلسطينية في الطعام والشراب واللباس والأعراس .. إنهم يسرقون حتى التاريخ بعد أن سرقوا الجغرافيا والتضاريس .. إنهم يعتدون على الأموات في قبورهم بعد اعتدائهم على الأحياء .
لقد مارسوا كافة أشكال الإجرام والاضطهاد ضد الشعب الفلسطيني ، جدار الفصل العنصري ، الحواجز الأمنية ، القمع والتعذيب والهدم والترحيل والإذلال وإعاقة سبل الحياة أمام الفلسطينيين ، وقتل المدنيين بدم بارد وأمام كاميرات العالم .
إلا أن كل هذه الممارسات الوحشية لم تؤثر على صمود الفلسطينيين ، وتمسكهم بمقدساتهم ، ومسرى نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم تضعف تمسكهم بأرضهم وزيتونهم وهواء بلدهم ، ، لم تضعف تمسكهم بطعامهم وشرابهم ولباسهم ، وتمسكهم بأكلاتهم الشعبية ، وسيقى الشعب الفلسطيني رغم أنوف الصهاينة ما بقيت أشجار الزيتون ، وسيبقى الزيت الفلسطيني مضيئا ، يفضح ظلم اليهود المحتلين وغطرستهم وحسدهم وجشعهم ، سيبقى الزيت الفلسطيني نورا ساطعا يظهر الحق الفلسطيني للأجيال القادمة وللشعوب الحرة .