خواطر في الحج (2) أ.د كمال حطاب
يُبرر كثير من الحجاج والمعتمرين دخولهم في الزحام وتكبدهم عناء المشقة ، بقولهم : الأجر على قدر المشقة .. ويظنون من خلال ذلك أن المشقة أمر مطلوب شرعا .. ولكن هذا الفهم هو فهم خاطيء معارض للنصوص الشرعية التي تقول “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ” .
فالأجر يكون على قدر المشقة الطبيعية التي لا يمكن دفعها ، أما إذا تمكنا من دفعها فهو الأمر المطلوب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما .. وهو القائل صلى الله عليه وسلم ” لا ضرر ولا ضرار ” .
إن ما ورد من أحاديث في فضل المشي إلى الصلاة ، إنما ورد في الأحوال الطبيعية ولمن كان قويا ولا يؤدي مشيه إلى مشقة أو ضعف بل إلى زيادة قوة ، ولمن لا يصرفه المشي عن أداء واجب أولى ، وكذلك لمن لا يؤذي نفسه أو غيره من خلال المزاحمة في المشي .
فالأصل في هذا الموضوع أن الشريعة جاءت لتحقيق مصالح العباد ، وتيسير حياتهم ، وليست لتعذيبهم أو فرض المشقة عليهم ، وقد أخرج البخاري أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأَى شيخًا يُهَادَى بيْنَ ابْنَيْهِ، قالَ: ما بَالُ هذا؟ قالوا: نَذَرَ أنْ يَمْشِيَ، قالَ: إنَّ اللَّهَ عن تَعْذِيبِ هذا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ. وأَمَرَهُ أنْ يَرْكَبَ.
كما ورد في حديث أنس قال: دخل النبي ﷺ المسجد فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال: ما هذا الحبل؟، قالوا: هذا حبل لزينب إذا فترت تعلقت به، فقال النبي ﷺ: حلوه، ليُصلِّ أحدُكم نشاطَه، فإذا فتر فليرقد . متفق عليه .
إن إلحاق الأذى بالنفس أو بالآخرين سواء في الصلاة أو الطواف أو السعي أو عند رمي الجمرات ليس مقبولا شرعا ، وليس فيه أجر ، بل ربما يكون فيه الوزر ، خاصة عندما يؤذي الناس الضعفاء ، أو عندما يختلط بالنساء سواء كان قاصدا أو عن غير قصد .. فمن وضع في رأسه أن الأجر على قدر المشقة الناجمة عن مزاحمة ومدافعة الناس ، وأراد أن يشق على نفسه ، وعلى الناس ، كان مخالفا للشريعة وللهدي النبوي .
إن هذه الشريعة كلها يسر ومصلحة ، وما كان فيه حرج فليس من الشريعة في شيء ، ولذلك وجدت الرخص للمضطر أو المريض أو المسافر ، فمن كان لا يستطيع أن يصلي واقفا ، يسمح له بالصلاة جالسا ، ومن كان لا يستطيع الجلوس يسمح له بالصلاة على جنبه .. وهكذا ، وكذلك في الحج فمن لا يستطيع أن يطوف أو يسعى ماشيا أذن له أن يطوف ويسعى راكبا ، ومن لم يكن قادرا على رمي الجمرات أذن له بتوكيل غيره ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للضعفاء وللنساء بالخروج من مزدلفة بعد منتصف الليل تجنبا للزحام والمشقة ، كما ورد ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه، فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح؟ قال: اذبح ولا حرج . فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ قال: ارم ولا حرج . فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج ” متفق عليه.