الفاقد التعليمي والفاقد الأخلاقي أ.د كمال حطاب
يقول المختصون في علم النفس النمو ، بأنه توجد جوانب عديدة للنمو ، تتطلب من جهات التربية مراعاتها وتنميتها إذا ما أرادت أن تسير العملية التربوية بشكل سليم ، ومن أبرز هذه الجوانب ، الجانب العقلي والجانب النفسي والجسدي والشخصي والاجتماعي والحركي والجنسي والعاطفي والانفعالي واللغوي .. إلخ
كما يقول المختصون بتنمية الموارد البشرية بأن التنمية تتطلب إدخال جهات التغذية (وهي هنا وزارة التربية والمدارس التي تمثلها ) التغذية المناسبة من علوم ومناهج مختلفة وأنشطة للارتقاء بالإنسان عقليا ونفسيا وجسديا وسلوكيا وأخلاقيا ..إلخ
ولما كانت هذه الجوانب من مسؤوليات وزارة التربية والتعليم فإنها تقوم بمهمة تنفيذ هذه الوصايا المطروحة من قبل المختصين .. ولذلك أطلقت على نفسها وزارة التربية قبل التعليم ، فالتربية تشمل هذه الجوانب جميعا ، كما تشمل غرس قيم الفضيلة والصدق والوفاء والعطاء والتضحية والكرامة والعزة .. في نفوس الطلبة بحيث تتخرج أجيال أكثر قوة وعزة وكرامة ، تستطيع أن تواصل مسيرة التنمية والتقدم ..
غير أن الملاحظ أن تركيز وزارة التربية والتعليم في السنة الأخيرة كان على الفاقد التعليمي ، وهو أمر محمود نظرا لظروف الكورونا، وما تركته من فجوات ومهارات تعليمية .. ولكن تعويض الفاقد التعليمي على أهميته لا يكفي .. فأين تعويض الجوانب النفسية والاجتماعية والاقتصادية وأين التركيز على الجانب الأخلاقي في ظل هجمات وسائل التواصل الاجتماعي على القيم والأخلاق .. أين تعويض وتركيز الجانب الأخلاقي في ظل الدعوات غير الأخلاقية التي تحاول بعض المنظمات الدولية فرضها على مجتمعاتنا ، كالدعوة إلى المثلية أو الجنس الآمن للمراهقات وغيرها من الدعوات المناقضة لتربيتنا وأخلاقنا وتقاليدنا وعاداتنا وقيمنا ..
ماذا فعلت وزارة التربية والتعليم للتعويض أو تحصين الطلبة ضد هذه الدعوات الهدامة ؟ إن تعويض الفاقد التعليمي شيء جميل ، غير أن هذا الفاقد يركز على نمو الجانب العقلي فأين الجانب النفسي والشخصي والاجتماعي والعاطفي والانفعالي والسلوكي والأخلاقي .. إلخ ..
إن تغطية هذه الجوانب أمر ضروري ومن صميم العملية التعليمية والتربوية وفقا لما يقوله المختصون .. ولا يمكن أن تكتمل العملية التعليمة دونها ، بل إن الاستمرار بالتركيز على الجانب العقلي فقط ، سوف يخرج أجيالا مشوهة غير معتدة بشخصيتها ، وليست مستعدة للعمل الاجتماعي أو المساهمة في خدمة البلد .
إن محاولة فرض مناهج جديدة مثل الفلسفة ، كما أعلن عنه ، لن يغطي هذه الجوانب ، بل سوف يزيد من حالة التيه والضياع الذي تعاني منه الأجيال القادمة ..
آن الأوان لوزارة التربية أن تركز على رسالتها الأولى وهي التربية ، فالتعليم بدون تربية هو اختلال في النمو أو هو نمو مشوه أو تورم لبعض الأجزاء على حساب الأجزاء الأخرى ..
إن الفاقد الأخلاقي أحق أن يتم تعويضه بإعادة التأكيد على القيم الأصيلة في المجتمع .. ونبذ الرذيلة بكافة أشكالها ومعانيها ومسمياتها العصرية .
وكما يقول شوقي وما درى بالمصائب التي حلت بالأمة بعده :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .. فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا