إنهم يفكرون بأقدامهم .. أ.د كمال حطاب
في بداية السبعينات ، حضرت مباراة لكرة القدم مع أحد زملائي في المدرسة ، على ستاد المدينة الرياضية في عمان ، وكانت المباراة تبث بشكل مباشر ، وكان والد زميلي هو مدير التصوير في التلفزيون الأردني المسؤول عن البث المباشر ، حضرنا المباراة وكانت ممتعة جدا ، ولما عدنا إلى البيت في الزرقاء ، لاحظنا أن الناس يشيرون إلينا ويتهامسون ونحن لا ندري لماذا ، وتبين لاحقا أن بث المباراة كان ينقل صورنا كلما توجهت الكاميرا إلى الجماهير .. وبذلك أصبحنا من المشاهير في حارتنا في ذلك الوقت .
ومرت الأيام والسنون ، وصرنا نسمع عبارة تتردد كثيرا على ألسنة بعض الدعاة والمشايخ . أمة تفكر بأقدامها أكثر من عقولها .. كلما ظهر اهتمام مبالغ فيه حول كرة القدم وغيرها من أشكال الرياضة التي تجتذب الجماهير الغفيرة .. وربما كان ذلك صحيحا عندما تكون نتيجة المباراة شغب وفوضى ومشكلات اجتماعية لا تنتهي ..
غير أن الرياضة اليوم باتت شيئا آخر رغم ما يرافقها من مشكلات وسلبيات أحيانا ، وباتت الرياضة صناعة راقية ، تزيد في الناتج القومي الإجمالي ، والتشغيل وتسهم في خفض البطالة .. وثقافة تدعو إلى التعايش المشترك بين الشعوب .
وبعد أن فازت قطر بتنظيم بطولة كأس العالم كأول دولة عربية مسلمة ، أشارت الإحصاءات إلى أنها ستحقق دخلا يقدر ب 17 مليارا نتيجة لتنظيم هذه البطولة إضافة إلى البنية التحتية القوية التي ستستفيد منها الأجيال القادمة في قطر وفي الأمة العربية كذلك ، كما أنها سوف تجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والتي ستمكنها من زيادة الناتج القومي الإجمالي بشكل كبير ..
باتت الرياضة مدخلا لتعزيز العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والحضارية بين الشعوب وللمزيد من التفاعل الحضاري والإنساني ونشر الثقافة العربية والإسلامية والإنسانية ، ثقافة الرحمة والإنسانية ، ثقافة العدالة والتكافل الاجتماعي ، ثقافة نبذ الظلم والعنف والاعتداء والاستغلال .. وكافة معاني الخير والقيم الإنسانية الرفيعة ..
ومع استقطاب قطر لعدد من الدعاة المشهورين في الساحة الإسلامية مثل ذاكر نايك وغيره من الدعاة العالميين فإن الفرصة متاحة لتوضيح الظلم الذي لحق بالمسلمين وبالإسلام من خلال ما أطلق عليه فوبيا الإسلام أو الإرهاب أو غيره من التهم والشبهات التي يروج لها الإعلام الغربي المتصهين .
إن الفرصة كبيرة من أجل توضيح حق الشعب الفلسطيني في تحرير فلسطين .. وتوضيح مكانة القدس والمسجد الأقصى وسائر المقدسات الإسلامية والمسيحية المحتلة .. الفرصة كبيرة لكشف ممارسات دولة الاحتلال الصهيوني اليومية في قتل وتشريد واعتقال الفلسطينيين المدافعين عن حقوقهم ..
إن الرياضة لم تعد تفكيرا بالأقدام بقدر ما أصبحت ثقافة يمكن من خلالها استخدام العقول والفكر والقيم والأخلاق من أجل نصرة الحق والمظلومين والأخذ على يد الظالم وتقديمه للمحاكم المحلية والإقليمية والدولية حتى ينال جزاءه بأسرع وقت ممكن .
لم تعد الرياضة تفكيرا بالأقدام وإنما صناعة وعرض وطلب واقتصاد وأسهم وسندات ، ولاعبين تقدر قيمة جهودهم بملايين الدولارات ، وعندما يحققون انتصارا ترتفع أسهم نواديهم ويزداد إقبال الناس على شرائها ، وعندما يخسرون يتخلص كثيرون من أسهم نواديهم فتنخفض قيمتها .. وهكذا باتت النوادي الرياضية تشكل قطاعا اقتصاديا وماليا مهما في الاقتصادات العالمية ، وباتت بعض النوادي تباع وتشترى بمبالغ طائلة ، مما يؤكد وجود قيمة اقتصادية كبيرة لها ..
إن في الإسلام متسع للفروسية والرياضة ، وكل ما من شأنه زيادة القوة ، حتى ولو كان جريا وراء كرة كما يقولون ، طالما كان هذا الجري منضبطا بالأخلاق ، ولا يترافق مع إثارة الشغب والمشكلات والنعرات وكل ما يمكن أن يفرق الناس أو يبعدهم عن الخلق القويم ..
إن الروح الرياضية واحترام الآخر والفرح بالنصر وتقبل الهزيمة من أجل زيادة الاستعداد والتدريب والقوة بما يؤدي إلى تحقيق النصر في النهاية هو الأمر المطلوب وهو الحافز الذي يزيد في الشغف والتشويق والرغبة في التشجيع من أجل تحقيق النصر في الرياضة وفي كافة المجالات .