لأول مرة يحدث في مونديال قطر أ.د كمال حطاب
لم تكن الرياضة قبل مونديال قطر 2022 كما هي أثناء المونديال وبعده ، حيث كان معظم المثقفين والمفكرين ينظرون إلى الرياضة على أنها مضيعة للوقت ، وإلهاء للشعوب العربية والإسلامية عن قضايا الأمة المصيرية وعن التحديات الحقيقية التي تواجه الشعوب .
غير أن نظرة كثير من المفكرين قد تغيرت مع هذا المونديال ، فلأول مرة في تاريخ العرب المعاصر ، تتحد كلمة العرب على رأي واحد ، ولأول مرة يرفع علم فلسطين في الملاعب دون أن يعترض أحد ، ويُنكس علم دولة الاحتلال ويُضيق عليه دون أن ينصره أحد ، لأول مرة في هذا التاريخ المعاصر تستطيع دولة عربية واحدة أن تفعل ما لم تستطعه الأوائل .. من فرض شروطها الأخلاقية وتمسكها بقيمها ومبادئها ومحاربة السلوكيات الشاذة وشرب الخمور وغيرها من الرذائل والمفاسد .. استطاعت قطر أن تفرض هذه الشروط على شعوب العالم وهي دولة صغيرة في حجمها وعدد سكانها ، ولكنها كبيرة بثوابتها وقيمها الإسلامية والإنسانية ..
كنا نعتقد أن معظم الدول النامية ومنها العربية والإسلامية مغلوبة على أمرها ولا تستطيع أن تفرض شروطها ، وأنها تعيش في تبعية كاملة للدول الأجنبية ، ولكن تجربة قطر أثبتت عكس ذلك ، حيث تستطيع معظم الدول العربية والإسلامية أن تتمسك بثوابتها وقيمها وتقاليدها ..
تستطيع معظم الدول رفض اتفاقية سيداو وما تمثله من اعتداء على الأخلاق والفضيلة .. تستطيع هذه الدول أن ترفض ما يسمى بالقوانين التي تحمي الطفل وهي تدمره وتخرجه من حماية عائلته إلى الشؤون الاجتماعية .. تستطيع هذه الدول أن ترفض ما أطلق عليه تمكين المرأة وهو شعار في الحقيقة لا يراد منه نصرة المرأة بقدر ما يراد به استغلال المرأة وامتهانها وإطلاق حريتها للابتذال والعيش في كنف رجال لا يغارون عليها ولا يهمهم سترها أو كرامتها ..
تستطيع هذه الدول أن ترفض المثلية والحرية المنفلتة وكافة الرذائل التي ينادي بها بعض المارقين على الأنظمة والمصادمين للفطرة الإنسانية السليمة ..
تستطيع هذه الدول أن تقاطع الاحتلال الصهيوني وكل من يدعمه من المحتلين والظالمين وتستطيع أن تضيق عليهم ولا تتعامل معهم ..
تستطيع هذه الدول أن ترفض شروط الإصلاح الاقتصادي التي يفرضها صندوق النقد الدولي على معظم الدول النامية ، كما فعلت ماليزيا وتركيا ..
إن تجربة قطر هي البداية ، وسوف يكون لها ما بعدها ، إذا استمرت متمسكة بالثوابت والقيم والفضيلة ، رافضة للباطل والرذيلة وكل من يمثلها .
إن تجربة قطر هي المثال والقدوة ، وسوف تكون محلا للدراسة والتحليل ، وأخذ الدروس والعبر ، لكل من يرغب بالنجاح والتفوق وحسن الأداء والمحافظة على الثوابت والقيم والأصالة والكفاءة والإحسان .
وبالإضافة إلى ما تقدم ، فلأول مرة يحدث في مونديال قطر ان يحقق العرب انتصارا تاريخيا من خلال تقدم الفريق المغربي إلى تصفيات نصف النهائي ، ومع أنه انتصار رمزي معنوي .. فإنه يمكن أن يكون مقدمة لايقاظ الحمية التي انطفأت واسترجاع الكرامة التي ضاعت ، وعلى أمل أن يتحقق الانتصار الأعظم بتحرير المقدسات ، وتحرير القدس وتحرير فلسطين من أيدي الصهاينة المحتلين ..