عودة إلى الصفحة الرئيسية

يا فرنسا قد مضى وقت العتاب.. أ.د كمال حطاب

هذا العنوان شطر بيت شعر في النشيد الوطني الجزائري الذي كنا ننشده في الطابور الصباحي في مدارس الأردن في الستينات من القرن الماضي حين كنت في المرحلة الابتدائية .. وفي تتمة النشيد .. يا فرنسا إنّ ذا وقت الحساب .. فاستعدي وخذي منا الجواب .. إنّ في ثورتنا فصل الخطاب ..وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر .. فاشهدوا .. فاشهدوا .. فاشهدوا .
تذكرت هذا النشيد مع هزيمة فرنسا في كأس العالم ، ومع أنها هزيمة في ملاعب كرة القدم إلا أنها لامست قلوب المظلومين في معظم أنحاء الأرض .. فما أجمل النصر عندما يكون على دولة ظالمة كفرنسا ، حتى ولو كان نصرا معنويا رمزيا من خلال كرة القدم ، وإذا كان لهذا النصر الرمزي طعمه وحلاوته التي ذاقها نصف سكان الأرض ، فلا شك أن النصر الحقيقي سيكون أجمل وأعظم ، عندما يطرد الاحتلال الفرنسي نهائيا من دول عديدة ، في إفريقيا وغيرها .. وعندما تعترف فرنسا بجرائمها واستغلالها ونهبها لثروات الدول التي استعمرتها ، وتعمل على إعادة هذه الثروات وتقدم التعويضات عن جرائمها .
حيث تفيد بعض التقارير بأن أربعة عشر بلدا إفريقيا لا تزال تدفع الضرائب لفرنسا حتى الآن ، بعد نيلها الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي ، وأن فرنسا تحتفظ بخزائنها بما قيمته 500 مليار دولار من احتياطيات المستعمرات التي كانت خاضعة لها .
ما أعظم النصر عندما يكون نصرا حقيقيا يُقتص فيه من المجرمين الذين لا يزالون يحتفظون في متاحفهم بجماجم الجزائريين الأحرار الذين ثاروا ضد الاحتلال الفرنسي ، ويفتخرون أمام العالم بجرائمهم ..
إن تقديم المجرمين المتطرفين وكل من يدعمهم إلى محاكم العدل الجنائية الدولية ، يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق النصر الحقيقي ..وإنصاف المظلومين وأبنائهم وأحفادهم وذرياتهم .
ما أجمل النصر عندما يكون انتصارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على من أساء إليه وداوم على هذه الإساءة ودعم المسيئين له ، وباسم الحرية دعم الرسومات المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنه باسم الحرية أيضا لا يستطيع أن يدعم الحجاب ، بل يحارب الحجاب ولا يسمح به في أماكن العمل ..
ما أجمل النصر عندما يكون انتصارا لمن تعرضوا للاضطهاد بسبب دينهم وعرقهم .. وآخرهم أعضاء فريق المنتخب الفرنسي ذوي الأصول الإفريقية الذين تعرضوا لأبشع أشكال التمييز العنصري بعد هزيمتهم .
ما أجمل النصر عندما يكون انتصارا على من توعدوا بشطب اسم محمد صلى الله عليه وسلم من دوائر تسجيل المواليد في فرنسا .
ما أعظم النصر عندما يكون انتصارا على من رفعوا شعار المثلية أو توعدوا برفع هذا الشعار في حالة فوزهم بكأس العالم ..
ما أعظم النصر عندما يكون انتصارا لمن تعرضوا للاضطهاد والإغراق في البحر من اللاجئين والمهاجرين ، وعندما يكون انتصارا لمن تعرضوا للتمييز والعنصرية بسبب لباسهم أو لونهم أو عرقهم ..
من حق العرب والمسلمين والأفارقة وكافة المظلومين من قبل فرنسا ، من حقهم أن يفرحوا بهزيمة فرنسا ، الدولة الأكثر بشاعة في استعمارها لإفريقيا ، الأكثر وحشية في الجزائر وتونس والمغرب العربي وسوريا ولبنان ، وكافة الدول التي لا تزال خاضعة للاستغلال والظلم الفرنسي ..
من حق الناس أن يفرحوا لأي إشارة تدل على هزيمة الظلم والظالمين .. ومن حقهم أن يأملوا ويستبشروا بزوال الظلم ..
فرح الرسول صلى الله عليه وسلم وفرح المسلمون عندما غَلب الروم النصارى ، الفرس المشركين في بداية بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت معجزة قرآنية تحدث عنها القرآن الكريم في سورة الروم ..
إن للمسلمين والمنصفين والباحثين عن العدالة من جميع الأديان الحق في أن يفرحوا عندما ينتصر المظلوم على الظالم حتى ولو كان نصرا رمزيا من خلال كرة القدم .. من حق شعوب العالم الثالث أن تفرح بهذا الانتصار ، ومن حق دول الجنوب أن تفرح بهذا الانتصار على دول الشمال ..
وليس في هذا الفرح بأي حال من الأحوال ، تغذية للكراهية المذمومة ، فكراهية الظلم أمر محمود ، يتفق عليه العقلاء والمنصفون من كافة الشعوب والأمم ، كما يتفقون على نصرة العدالة وإنصاف المظلومين .

أكتب رداً:

You must be logged in to post a comment.

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]