المنفعة الحدية عند الأغنياء والفقراء أ.د كمال حطاب
المنفعة الحدية عند الأغنياء والفقراء
أ.د كمال حطاب
تطلق المنفعة الحدية في الاقتصاد على منفعة الوحدة الأخيرة من أية سلعة يتم الحصول عليها بقصد الامتلاك أو الاستهلاك أو أي قصد آخر .. وهذه المنفعة تتناقص كميا كلما زاد الإنسان في استهلاكه .. إلى أن تصل إلى الصفر .. ومن أجل أن تبقى المنفعة الحدية عالية فينبغي أن يتوقف الاستهلاك عند حد معين يكون فيه الإشباع قويا ومفيدا وممتعا .. ولكي يتجدد هذا الإشباع فينبغي التنازل عن هذه الأموال بالإنفاق المستمر ، حتى يجد الإنسان للأموال المتبقية لديه منفعة أكبر ومتعة أكبر ..
كما أن كثرة الأموال تؤدي إلى تناقص منفعتها الحدية حتى تكاد تصل إلى الصفر ، وعندها لا يعرف الإنسان أين يصرف النقود وماذا يفعل بها ؟ فيبدأ بالتبذير والسرف وربما يدخل إلى مرحلة الترف ..
وهذا يقودنا إلى أن من مصلحة الأغنياء أن ينفقوا أموالهم ويستمتعوا بها أثناء شبابهم وصحتهم أفضل من أن يتركوها حتى يعمروا والسبب أنهم بعد أن يعمروا لن يجدوا متعة لتلك الأموال ولذلك الإنفاق .. كتلك المتعة التي كان يمكن الحصول عليها في سن مبكرة .
ووفقا لقوانين المنفعة فإن المنفعة الحدية لكل شيء تتناقص إذا زاد استهلاكه أو امتلاكه .. ومعنى ذلك ومن أجل أن تتزايد المنفعة الحدية للشيء فينبغي أن يتجدد الشوق له وذلك بالتخلي عنه أو مفارقته ، مفارقة تتضمن معنى الجزاء والتعويض .. الدنيوي والأخروي .. ومن هنا يمكن تفسير حديث ما نقص مال من صدقة .. لأن الصدقة تزيد في المنفعة الحدية للمال المتبقي كما تزيد من المنفعة للمال المؤمل عودته أو عودة ثماره ثوابا وبركة وزيادة إنتاج ..
ومن جهة أخرى فإن الإنفاق الموجه للفقراء الأشد حاجة سوف تكون منفعته الحدية أكبر بكثير من الإنفاق على فقراء أقل حاجة ، لأن الفقير الأشد حاجة يستطيع أن يشبع حاجات أساسية أكثر ، وبالتالي سوف يؤدي إلى توليد طلب أكبر ، بعكس الأقل حاجة والذي سيولد طلبا أقل ، أما توجيه الإنفاق إلى غير المحتاجين فإنه لن يؤدي إلى إشباع حاجات أساسية ، وربما يوجه الإنفاق إلى كماليات أو مضاربات أو الاكتناز في البنوك دون تشغيل .. وهذه الأنشطة لا تولد طلبا حقيقيا يمكن أن يحرك عجلة الاقتصاد ..
إن الحكمة في حث القرآن الكريم المتكرر على الإنفاق الدائم والمستمر وبالليل والنهار وعلى الفقراء والمساكين الأشد حاجة كالذين أحصروا أو لا يستطيعون ضربا في الأرض .. إن الحكمة الاقتصادية واضحة وهي ضرورة زيادة عجلة الاقتصاد من خلال إيجاد تيار نقدي دائم يلبي الحاجات ويخلق التشغيل وفرص العمل فيزيد الإنتاج والدخل ويزداد النمو الاقتصادي فيتحقق التقدم .. كما أن الحكمة الاجتماعية واضحة أيضا فالأغنياء اليوم ربما يكونون فقراء غدا ، والعكس ، وبالتالي لا بد من ايجاد تيار من التراحم والتكافل والتضامن بين أفراد المجتمع بحيث يقومون ببعضهم البعض لأن الجميع معرضون للكوارث والمصائب ، وبالتالي لا بد من استمرار تدفق الرحمة في القلوب ، واستمرار دوران المعروف بين الناس واستمرار الحمد والشكر لله ..
إن المنفعة الحدية للسعادة المكتسبة نتيجة العطاء والإنفاق ربما تتصادم مع قوانين المنفعة المشهورة ، فهي في تزايد دائم ولا يمكن أن تتوقف السعادة أو تصل إلى حدود تناقصية بسبب زيادة العطاء ، وكذلك المنفعة الحدية للشكر والحمد والمعروف ، فمهما بذل الإنسان من معروف فإنه لا يمكن أن يرتوي من ثمار المعروف التي يحس بها سعادة وراحة وطمأنينة وأمن واستقرار ..
وربما يمكن القول بأن هذه السعادة والطمأنينة هي مقدمات لما يتذوقه الإنسان في الجنة ، حيث المنفعة الحدية أيضا في تزايد دائم ، قال تعالى ” كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ” ( البقرة ، 25 ) وقال تعالى ” لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ” ( ق ، 35)