مأسسة المقاطعة الاقتصادية .. أ.د كمال حطاب
تثور حمية المسلمين كلما انتهكت حرمات الإسلام الكبرى من خلال الإساءة أو الاعتداء على كتاب الله أو الإساءة إلى نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم أو انتهاك قداسة المسجد الأقصى وغيره من المقدسات الإسلامية ، وتهدأ هذه الحمية وتخبو مع تراجع المعتدين وتوجيه الاعتذارات الدبلوماسية من بلدانهم وحكوماتهم إلى حكومات البلدان الإسلامية ..
وتأخذ هذه الحمية أشكالا متعددة قد تظهر في الهاشتاجات أو البوستات على الفيس بوك الداعية إلى المقاطعة ، وقد تكون على شكل مظاهرات سلمية في الشوارع تدعو إلى طرد السفير ومقاطعة المنتجات المستوردة .. إلخ ، وقد تكون بحرق أعلام الدول المسيئة وبعض رموزهم .
ويبدو أن إقدام أحد المتطرفين السويدين على حرق نسخة من المصحف الكريم ، قد أثار حمية المسلمين من جديد ، وظهرت هذه الحمية على شكل ردود فعل غاضبة من قبل شعوب وحكومات معظم الدول الإسلامية ، ولا تزال النار التي أحرق بها ذلك المتطرف نسخة من القرآن الكريم ، متأججة في معظم دول العالم ، وقد بدأت الاعتذارات والإدانات تتوالى من حكومة السويد ومسؤوليها ومسؤولي العديد من دول العالم .
وقد كنت دعوت في أكثر من مقال سابق مثل ” حرم دنانيرهم ” و مقال ” لماذا يكرهون محمدا صلى الله عليه وسلم ” وغيرها من المقالات إلى ضرورة مأسسة حملات المقاطعة بحيث يتم تأسيس جمعيات خاصة بالمقاطعة ، تتابع إصدار تشريعات وقوانين ضد الجهات المسيئة أو المعادية ، بحيث يتم متابعة هؤلاء وتقديمهم إلى محاكمات دولية أو محلية أو منعهم من دخول بلاد المسلمين إذا لم نستطع محاكمتهم .
كما يمكن لهذه الجمعيات أن تقوم برصد الحركات المتطرفة المعادية للإسلام والمسلمين والتحذير من خطرهم بمخاطبة حكومات دولهم وتوعيتهم حول الآثار الاقتصادية التي ستنجم عن الإساءات والتجاوزات التي ترتكبها هذه الحركات المتطرفة ..
إن معظم الدول والحكومات الغربية الرأسمالية لا تفهم إلا بلغة الاقتصاد والخسائر التي ستلحق بهم نتيجة الإساءة إلى الإسلام ورموز الإسلام .. وقد رأينا ذلك في إساءات فرنسا وهولندا من قبل .. وكيف تراجعت الحكومات وقدمت الاعتذارات تلو الاعتذارات نظرا للخسائر الكارثية التي لحقت بهم .
إن السويد لا تختلف حالا عن تلك الدول ، ولو نظرنا إلى وضع بعض الشركات السويدية في العالم الإسلامي ، مثل إيكيا ، وإتش أند إم على سبيل المثال ، فسوف نجد أن هذه الشركات لها تأثير كبير في الناتج القومي السويدي ..
فشركة إتش أند إم للملابس الجاهزة تمتلك أكثر من 4500 متجرا منتشرة في 62 بلدا ، ويعمل فيها 132000 شخصا ، بينما تمتلك شركة الأثاث العالمي السويدية المعروفة ب” آيكيا” أكثر من أربعمئة متجر في أكثر من خمسين دولة من دول العالم ، ويعمل فيها 163 ألفا .. إضافة إلى شركة إريكسون وفولفو .. وغيرها
إن حجم الخسائر التي ستلحق بهذه الشركات بعد المقاطعة سيكون كارثيا ، وبالتالي سوف تعيد حكومة السويد حساباتها ، وكذلك الحكومات التي تسمح بحرية التعبير في مجال الإساءة إلى الإسلام والمسلمين ، ولا تسمح بحرية التعبير في مجال تمزيق علم المثليين مثلا أو الحديث عن الهولوكوست أو غيرها مما يعتبرونه جرائم ..
لقد نجح اليهود عبر العالم في إصدار قوانين تجرم أي اعتراض عليهم تحت شعار معاداة السامية ، وتجريم أي مُنكِر لمحارق اليهود (الهولوكست) ، كما فعلوا مع المفكر الفرنسي روجيه جارودي ، عندما ألقوا به في السجن بسبب كتابه حول الأساطير الصهيونية ..
فمتى ينجح المسلمون في إصدار قوانين تجرم الإساءة إلى دينهم ونبيهم وقرآنهم ؟ ومتى يمكنهم أن يستخدموا هذه القوانين إذا نجحوا في إصدارها في إدانة هؤلاء المسيئين وتقديمهم إلى المحاكم واتخاذ إجراءات رادعة بحقهم ؟ متى يمكنهم أن يضعوا قوائم لكبار المتطرفين المسيئين للإسلام والمسلمين حول العالم من أجل التحذير منهم وتقديمهم إلى المحاكم الدولية ، ومنعهم من الحركة والانتقال بين الدول بحرية ؟
إن مؤسسات أو جمعيات المقاطعة المقترحة منوط بها القيام ببعض هذه الأعمال ، إضافة إلى استمرارية مراقبة ورصد كل ما يحاك ضد المسلمين من مكائد ومؤامرات .. وما يخطط لهم من أزمات وكوارث .. وما يشاع بينهم من إشاعات تحريضية وكيدية ..
ولا ننسى الدور الأساسي لهذه الجمعيات وهو تنظيم حملات المقاطعة للمنتجات المسيئة ومتابعة هذه المقاطعة بشكل مهني بعيدا عن العاطفة والحمية فقط .. بحيث يتم قياس حجم الأثر في كل مجتمعات المسلمين وقياس حجم الأثر الاقتصادي الناجم عن المقاطعة ، وتعزيز المقاطعة الضعيفة وتحفيز المقاطعة القوية بحيث يكون لهذه المقاطعة آثار مستقبلية ، يحسب لها ألف حساب من قبل كل من يحاول أن يقوم بعمل يسيء فيه إلى الثوابت والرموز والمقدسات الإسلامية .