عودة إلى الصفحة الرئيسية

سنن المسخ والاستئصال والإمهال … أ.دكمال حطاب

مما هو ثابت في المحكم من القرآن الكريم ، قوله تعالى ” وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ” ( البقرة ، 65 ) فالمسخ حدث لفئة من اليهود ، وهم الذين اعتدوا في الصيد يوم السبت ، وهؤلاء بلغت تجاوزاتهم حدودا لا يمكن لهم أن يستمروا بعدها ، تجاوزات غير مسموح بها ، ولا شك أنهم قد أنذروا قبل ذلك ، وربما طلبوا من نبيهم أن يتحقق ذلك العقاب كما طلب آخرون من قبلهم أو بعدهم .. فأنزل الله بهم عذاب المسخ .. ومع ذلك فقد استمر بقية اليهود الآخرين على فسادهم وطغيانهم وعصيانهم لأنبيائهم باستثناء القلة القليلة المؤمنة ، رغم وجود هؤلاء القردة الممسوخين في ذلك الزمن ، واختلاطهم بمن تبقى من اليهود وعلى وجهوهم الندم والحسرة والدموع كما تفيد بعض الروايات .
لماذا لم يدعُ موسى على قومه ، كما دعا نوح ” وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ” (نوح 26 ) ، رغم أن ما قام به بنو إسرائيل من كفر ، وقتل للأنبياء، ومتاجرة بآيات الله وكتبه ، أكبر بكثير مما فعله قوم نوح . لماذا لم يدع عليهم ويخلص البشرية من شرورهم وأذاهم وباطلهم ؟ لماذا لم يعاقبوا كما عوقبت ثمود وعاد وفرعون وغيرهم من الأقوام البائدة ؟ لماذا لم يُستأصلوا ويجتثوا من الأرض فترتاح البشرية من فسادهم وظلمهم ؟
مما لا شك فيه أن لله حكم عظيمة في استمرار وجودهم ، ومعاصرتهم لبعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، واستمرارهم إلى ما قبل قيام الساعة .
إن حكمة الله البالغة اقتضت أن تبقى هذه السلالة لكي يكونوا دليلا دامغا على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم الذي يجدونه مكتوبا عندهم . ومن أجل أن يتم دحض كافة شبهاتهم العقائدية وهم أهل الكتاب وأهل العلم في ذلك الزمان ، وبالتالي تستقر عقيدة المسلمين على أمور واضحة لا لبس فيها .
لقد تكفل القرآن في كشف حججهم ومؤامراتهم وما يخفونه من علم حول نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما يبطنونه من دسائس ومؤامرات ، بما يؤدي إلى زيادة يقين المؤمنين وإزالة الشك لدى المتشككين .
لقد أعطوا الفرصة تلو الفرصة من أجل إثبات كذب النبوة ، ولم يستطيعوا ، مما دل على كذبهم وسوء طويتهم ، وفي ذلك درس تلو الآخر للمشركين والمتشككين .
لقد بلغت إساءات اليهود للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ولأصحابة أشد من إساءاتهم للمسلمين في الوقت الحاضر ، ومع ذلك فقد صبر النبي عليهم في البداية ، ووقع معهم ومع كافة أهل يثرب وما حولها وثيقة المدينة ، بأن لهم من الحقوق ما للمسلمين ، وعليهم ما على المسلمين ، وأن يتعاقلوا ويتكافلوا ويفدوا بعضهم بعضا .. إلخ ، ومع ذلك قام بنو قينقاع وبنو النضير بالغدر فأجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم وغنم المسلمون أموالهم وحصونهم ، وقام بنو قريظة بالخيانة العظمى عندما تحالفوا مع المشركين ضد المسلمين ، فحاربهم النبي صلى الله عليه وسلم وقتل الخائنين منهم ، وكذلك يهود خيبر حاربهم النبي صلى الله عليه وسلم وغنم المسلمون أموالهم وحصونهم .. وهكذا كانت أفعال اليهود في المدينة تتراوح بين الغدر والخيانة والمؤامرات على النبي صلى الله عليه وسلم .
اقتضت حكمة الله أن لا يُستأصل اليهود ، وأن يبقوا إلى قيام الساعة ، من أجل إقامة الحجة على البشرية ، فالحق واضح والباطل واضح ، فمن أراد أن يسير في صف الباطل وأن يدعم الباطل ، ويدعم الاحتلال والقتل والاغتصاب وتشريد الناس من بيوتهم فقد أقيمت عليه الحجة ..
إنهم اليوم في فلسطين يمارسون أفظع أشكال الجرائم ، القتل اليومي والتشريد ، وهدم البيوت ، والاعتداء على الحرمات ، والمقدسات ، والتضييق على الناس والحصار ، يمارسون كافة أشكال الأذى والجرائم التي يمكن أن يتصورها البشر .. وينتهكون القانون الدولي بكافة أجزائه وفروعة خاصة ذلك القانون الذي يحمي الشعوب المحتلة والقانون الإنساني الدولي .. دون أن يحسبوا حسابا لأحد .. ودون أن يوقفهم أحد .. بل إنهم مدعومون من قبل كثير من الدول التي تمثل الشرعية الدولية في هذه الأيام ..
إن لله عز وجل في خلقه سنن ونواميس ، ومنها أنه يمهل ولا يهمل ، فالإمهال والإنظار أعطي لإبليس اللعين عندما قال أنظرني إلى يوم يبعثون ، وكذلك أعطي لشياطين بني إسرائيل ، من أجل إقامة الحجة الكاملة عليهم ، وعلى كل من يقف إلى جانبهم .

أكتب رداً:

You must be logged in to post a comment.

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]