زلزال تركيا ورأسمالية الكوارث … أ.د كمال حطاب
نقلت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المشاهد المؤلمة والمفجعة للآثار التي تركها الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا صبيحة هذا اليوم .. وتزايدت أعداد الضحايا والجرحى والمفقودين حتى بلغوا الآلاف وربما عشرات الآلاف .. نسأل الله أن يرحم الشهداء ويشفي الجرحى وينقذ المفقودين الأحياء ، ويفرج عنهم أجمعين ..
إن من أساسيات الإيمان أن المصائب والكوارث هي ابتلاءات ربانية تواجه الناس باختلاف أوضاعهم ودرجاتهم الإيمانية فقد تكون امتحانا أوتصفية وتنقية للإيمان ، وقد تكون اصطفاء من الله ، قد تكون عقوبة للظالمين المعاندين المنتهكين حرمات الله .. إلخ . وقد وضحت سورة آل عمران بعض هذه الجوانب في أعقاب غزوة أحد ، وهزيمة المسلمين ، وسقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى ..
تداعت كثير من الدول العربية والإسلامية إلى المساعدة بإرسال فرق للإنقاذ وأساطيل جوية للمساعدات ، وهو أمر طبيعي وليس غريبا على هذه الأمة التي اكتسبت صفة الخيرية منذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم فيها .
غير أن الملفت للنظر أن كثيرا من الدول الأجنبية أبدت استعدادها لتقديم المساعدة ، وعزمها على تقديم المساعدة ، وقلقها من حجم الأضرار ، وحزنها على الضحايا ، دون أن تحرك ساكنا ، وقد عودتنا كثير من هذه الدول الرأسمالية على استغلال الكوارث من أجل حساباتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية .. بحيث تترافق مساعداتهم مع خطط إعلامية تترافق مع المعونات تؤدي إلى تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية ..
وقد تحدثت نعومي كلاين صاحبة كتاب ” عقيدة الصدمة ورأسمالية الكوارث ” عن هذا الموضوع بتفصيل كبير .. فهذه الدول ومن خلال شركاتها الكبرى المتعددة الجنسية ، تستغل الكارثة وحالة الصدمة المرافقة لها من أجل أن تفرض شروطها لتقديم المساعدات بشكل يخدم مصالحها واستمرارية وجودها في الدول المنكوية .
إن رأسمالية الكوارث تقتضي أن تقوم الدول الرأسمالية باستغلال الكارثة الطبيعية لمصالحها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، فتسارع إلى تقديم المساعدات لتضمن ولاء الدول المنكوبة وبالتالي خضوعها لبرامجها ومصالحها الاقتصادية ، وذلك من خلال الحصول على عقود لإعادة الإعمار والبناء ، كما حدث في العراق ، وكما حدث من قبل في هايتي في أعقاب زلزال هاييتي عام 2010 والذي راح ضحيته ما يزيد على 300 ألف قتيلا .
إن الدول الرأسمالية والولايات المتحدة بشكل خاص لديها خبرة كبيرة في ترويض حكومات الدول الضعيفة من أجل تسويق مصالحها الاقتصادية ، بما يضمن تبعية حالة الطلب في أسواق الدول الضعيفة لحالة العرض في أسواق الدول المتبوعة خاصة في مجال المعدات العسكرية وصفقات السلاح ومواقفها في المحافل الدولية .
غير أنها في حالة تركيا لن تنجح غالبا ، وبالتالي فلا مصلحة لها في المساعدات إلا بما يقتضيه المشهد الإعلامي والتصريحات الدبلوماسية .
إن رأسمالية الكوارث هي شكل آخر من كوارث الرأسمالية التي قد تفتعل حروبا يقتل فيها آلاف وملايين البشر مقابل أن تستمر مصالحها المادية وأرباحها الفلكية .