مؤتمرات المصرفية الإسلامية بين المهنية والنفعية أ.د كمال حطاب
هل يمكن أن يكون العاملون في الاقتصاد الإسلامي والصيرفة الإسلامية والمؤسسات المالية الإسلامية مجندين لخدمة أصحاب رؤوس المال دون أن يشعروا بذلك ؟ هل يمكن أن تكون الفتاوى وقرارات مجامع الفقه وفتاوى الهيئات الشرعية موجهة لخدمة أصحاب رؤوس الأموال دون قصد من الفقهاء والخبراء والمفتين .. لماذا ينفق أصحاب رؤوس الأموال أموالهم على المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية المحلية والعالمية ؟
إن معظم المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية تقوم على النفعية والمصلحة المتبادلة والدعاية والإعلان والتسويق .. وهي شكل من أشكال الحوافز والمكافآت التي تقدمها بعض المؤسسات المالية الإسلامية للمطبعين معها والموقعين على عقودها وتقاريرها دون أي اعتراض .. فعندما يعلن عن أي مؤتمر في مكان ما في العالم ، تنظمه مؤسسة مالية إسلامية ، فإن معظم المشاركين سيكونون ممن لديهم مقاعد دائمة في هذا المؤتمر .. حيث يكون الاتفاق بين هذه المؤسسة والمؤسسات الأخرى التي تنظم ملتقيات دورية مشابهة على مدار السنة ، من أجل ترشيح شخصين أو ثلاثة أو أكثر لكل مؤسسة ، بحيث تشملهم المكافآت والمنافع التي تقوم هذه المؤسسات بتوزيعها .
فهل تصح مثل هذه السلوكيات الانتهازية النفعية من قبل مؤسسات تدعي أنها إسلامية أو تحرص على المشروعية ؟
وليت المسألة تقف عند المؤتمرات ، فالدورات التدريبية والورش والندوات والشهادات المصرفية .. إلخ في معظمها تدور في فلك المتاجرة بالقضية ، فقد وجدت اتفاقيات بين مؤسسات مالية مصرفية إسلامية على تقاسم شهادات مصرفية وتقاسم مدربين ، ومتدربين وإصدار اعتمادات مهنية ، دون أي مرجعية علمية مهنية عالمية أو إقليمية أو حتى محلية .. كل ذلك من أجل تقاسم المزيد من الأرباح واغتنام الطلب المتزايد في السوق ..
إضافة إلى ما تقدم ازدهرت تجارة المؤتمرات المالية الإسلامية التي تقيمها بعض المؤسسات والشركات والتي تجمع أكبر عدد من الداعمين والممولين الماسيين والذهبيين والفضيين ، وتقوم بتوزيع بعض المكافآت على الأسماء اللامعة الذين وجهت لهم الدعوات والاستكتابات ، كما تقوم بدفع مصاريف الإقامة والتذاكر .. ويبقى لديها من أموال الدعم ورسوم التسجيل ما تحقق به أرباحا طائلة .. وهذا هو الهدف الأساسي من مثل هذه المؤتمرات ، أما المحتوى والقرارات والتوصيات ، فهي أحبار على أوراق أو ذبذبات إلكترونية على أجهزة كمبيوتر أو مواقع يتم تسويقها من أجل الاستمرار في الحشد للمؤتمرات القادمة .
في ظل هذه الأوضاع والظروف ؟ لنا أن نتساءل كيف يمكن الحد من شبهات الفساد في المصرفية الإسلامية وكثير ممن يطلق عليهم خبراء أو علماء الصيرفة الإسلامية يشاركون في هذه السلوكيات بعلمهم أو دون علمهم ؟ كيف يمكن تطهير الصناعة المالية الإسلامية من الربا والغرر والغش والاحتكار ، ودعاة الصيرفة الإسلامية يشغلون أنفسهم في الزخرفة والبهرجة في مؤتمرات الصيرفة الإسلامية .
للأسف الشديد أن معظم العلماء الممثلين للصناعة المالية الإسلامية اليوم يحصرون دورهم في كتابة بحث هنا أو هناك وإصدار رأي أو فتوى وهم بذلك يظنون أن ذممهم قد برئت وأنهم في وضع سليم طالما عبروا عن رأيهم أو أصدروا قرارات هنا أو هناك ..
ومع احترامنا لهؤلاء العلماء وأهمية ما يقومون به إلا أن المنفذين لأدوات الصناعة المالية الإسلامية يطبقون ما يشاؤون مما يضمن لهم ولمؤسساتهم أكبر الأرباح .. ويستندون إلى ما يؤيد تطبيقاتهم من الآراء المبثوثة هنا وهناك .. بل ويحشدون جموع العلماء لمباركة مثل هذه الآراء .
وأنا أقول بانه لا بد أن يتداعى العلماء إلى ميثاق شرف يتعاهدون جميعا على بعض الأسس والثوابت التي لا يجوز الخروج عليها .. فمثلا صدرت قرارات مجمعية بتحريم التورق المنظم .. ومع ذلك يمكن القول بأن كثيرا من المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية لا تزال تتعامل بالتورق والمرابحات الدولية .. وبناء على ذلك ، لا بد من اتخاذ إجراءات رادعة بحق المؤسسات التي تخالف القرارات المجمعية ، وتعمل على تشويه وانحراف وتأخر الصيرفة الإسلامية ، من خلال زيادة الحيل والشبهات والمخالفات الشرعية .
ربما تكون المؤتمرات التي تقيمها الجامعات والمعاهد العلمية ، ومن خلال الأقسام الأكاديمية العلمية فيها هي المؤتمرات الوحيدة التي يمكن أن تكون بريئة من الشبهات ، ولعلها الطريقة الأكثر مهنية وشفافية وعلمية ، حيث يجتمع المتخصصون في أي علم ، فتتلاقح الأفكار العلمية وتتوالد الأفكار الجديدة فيحصل التراكم العلمي الذي يقود إلى التقدم والتنمية .. بعيدا عن تدخلات أصحاب رؤوس الأموال وأصحاب المصالح ،
ولذلك تعتبر الأقسام الأكاديمية في الاقتصاد والمصارف الإسلامية هي الجهات الأكثر مهنية وشفافية وحرصا على استمرار سلامة مسيرة المصرفية الإسلامية ، غير أن دورها لا يكاد يظهر ، في ظل الزخرفة الإعلامية لمؤتمرات المصرفية الإسلامية الممولة من قبل أصحاب رؤوس الأموال .