تخصص ” الاقتصاد الإسلامي ” وحالة التيه أ.د كمال حطاب
في ظل التطورات المتسارعة في العلوم التطبيقية والإنسانية في العصر الحاضر ، أفرز اقتصاد السوق تخصصات علمية جديدة لم تكن من قبل ، ونظرا لتزايد الطلب على بعض التخصصات العلمية ، سارع الأكاديميون والمتخصصون إلى وضع مناهج وأوصاف مساقات لبعض التخصصات غالبا ما توصف بأنها متسرعة ، وربما تكون بعيدة عن الواقع ، وربما تفتقد إلى أدنى المعايير أو المواصفات العلمية .
هذا ما حدث مع ظهور علم الاقتصاد الإسلامي في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ، حيث وجد هذا التخصص إقبالا منقطع النظير ، مما سرع في فتح تخصصات فرعية منبثقة عنه مثل المصارف الإسلامية والتمويل الإسلامي والوقف الإسلامي .. إلخ
بدأت العديد من الجامعات بتدريس هذا التخصص دون تنسيق مع هيئات الاعتماد الخاصة بالمناهج ، ودون التنسيق مع مؤسسات الخدمة المدنية بحيث يتم الحصول على اعتماد الوصف الوظيفي لهذا التخصص من قبل هيئات اعتماد رسمية محلية أو دولية .
وكان غياب المعايير الصارمة والأوصاف المنضبطة الدقيقة للمساقات هو السمة البارزة على مستوى مرحلة البكالوريوس مما أدى إلى ظهور خريجين تائهين لا يعرفون إلى أي قطاعات المجتمع يتجهون ، ولا تتقبل الفعاليات الاقتصادية في المجتمع هؤلاء الخريجين ببساطة .
ولم يقف الأمر عند مرحلة البكالوريوس حيث فتحت برامج الدراسات العليا في هذا التخصص والتخصصات الفرعية المنبثقة عنه مما شجع أعدادا كبيرة من الطلبة الطامحين إلى الحصول على شهادات عليا على الالتحاق بأحد هذه البرامج .. مما أوجد عددا كبيرا من حملة شهادات الدكتوراه في هذا التخصص دون تنسيق مع مؤسسات المجتمع المدنية أو حتى مع وزارات التعليم العالي .
مما أدى إلى معاناة الخريجين في كثير من الدول التي أطلقت هذه التخصصات ، كما أدى ذلك إلى زيادة حالة التيه التي يعاني منها هؤلاء الخريجون ، فلا هم ينتمون إلى علوم الاقتصاد والعلوم الإدارية ، ولا هم مقبولون في الكليات الشرعية . ومن جهة أخرى فإن كثيرا من هؤلاء الخريجين لا يمثلون إضافات علمية أو تراكمات علمية في الحقل الذي درسوه إما لعدم الحاجة إليه أو لأنها دراسات نظرية تاريخية تخلو من أية آليات تنفيذية يمكن أن تستفيد منها المجتمعات المعاصرة .
إن إعادة بناء مساقات الاقتصاد الإسلامي بما ينسجم مع التطورات المعاصرة وتحصيل الاعتمادات الرسمية اللازمة لها، والمسميات الوظيفية الخاصة بها ، بات مطلبا أساسيا ، قبل الاستمرار في قبول الطلبة وتخريج دفعات لا تستطيع مواكبة تطورات الأسواق ولا تجد لها القبول الرسمي أو الأهلي في المجتمع .
ولعله من المفيد تقسيم هذا التخصص إلى تخصصات فرعية عديدة ، تغطي الجوانب الفنية والمهنية الأكثر انتشارا في الأسواق المعاصرة ، والتي تواكب التطورات الاقتصادية والمصرفية والنقدية والوقفية والمخاطر والأسواق ودراسات الجدوى والتطورات الرقمية والافتراضية … إلخ ، وغيرها من التخصصات العملية التي يمكن أن تواكب حاجات الأسواق بشكل أكبر ، ولا بد قبل اعتماد مثل هذه التخصصات الفرعية من عمل دراسات تتضمن استبانات ومقابلات مع الفعاليات الاقتصادية والمؤسسات المالية المتواجدة في السوق للتعرف على حاجاتها المستقبلية ، كما يمكن التنسيق معها من أجل مواءمة نسب النمو فيها مع نسب النمو في الطلبة الخريجين .
إن مثل هذه الدراسات تمثل ضرورة قصوى ، قبل فتح أية تخصصات جديدة في كافة المجالات ، من أجل تأهيل الطلبة وتسليحهم بالعلم والمعرفة المطلوبة من جهة ، ومن جهة أخرى من أجل تأمين وظائف للخريجين بحيث يكون الشخص المناسب في المكان المناسب .