القانون والشريعة والأخلاق .. أ.د كمال حطاب
شاركت قبل يومين في المؤتمر الدولي التاسع لكلية القانون الكويتية العالمية ، وقد عرض في المؤتمر عشرات البحوث في جلسات متوازية وعلى مدى يومين كاملين .. وشارك في المؤتمر أساتذة وخبراء من أكثر من أربعين دولة ، وقد غلب على المؤتمر الروح العلمية القوية التي سادت بين الباحثين ، والنقاش الفعال المولد للأفكار الجديدة ، والتفاعل الإيجابي بين الباحثين بشكل عام
تنوعت قضايا المؤتمر والذي كان تحت عنوان ” قضايا قانونية مستجدة: مراجعة علمية للتحديات العملية التي تواجه الدولة المعاصرة ” إلى موضوعات عديدة ، ابتداء من نظم الانتخابات ، فمكافحة الفساد ، فالذكاء الاصطناعي إلى العملات الافتراضية … إلخ ، غير أن من أكثر القضايا التي لفتت نظري موضوع القانون والأخلاق .. حيث يوجد فريق من الباحثين الذين يذهبون إلى أن عرف المجتمع وما يقبله أو يعترض عليه من سلوكيات وأخلاق ، هو مصدر التشريعات والقوانين ، أو أن القوانين ينبغي أن تعدل وفقا لما يتعارف عليه المجتمع من قضايا مستجدة معاصرة ..
ربما يكون ذلك مقبولا في المسائل والقضايا الفرعية التي تتعلق بالوسائل والأدوات التي يمكن استخدامها، فمثلا في موضوع النقود ، تطورت وسائل الدفع من النقود السلعية إلى الذهب والفضة إلى النقود الورقية إلى الائتمانية إلى الرقمية فالافتراضية .. كل ذلك يمكن أن يكون مقبولا ما لم يترافق مع الظلم والفساد .. في القانون والشريعة والأخلاق ..
أما الحديث عن الثوابت والمحكمات وإدراجها مع الفرعيات والمتغيرات فقد يكون ذلك مقبولا في القانون ، ولكنه مرفوض في شريعة الله خالق البشر والعليم بما يصلح لهم وما يضرهم ، فالحديث عن القيم الأصيلة كالصدق والفضيلة والعطاء والتضحية والوفاء والعدل والإحسان والكرم والشجاعة والنخوة والمروءة والشرف .. واعتبارها من الأمور التي يمكن أن تتطور وتتغير وفق تطور المجتمعات المعاصرة .. لا يمكن أن يكون مقبولا في الشريعة والأخلاق والفطرة التي فطر الله الناس عليها .
إن هذه القيم الأصيلة تقرها النفوس الطيبة والعقول الراشدة في كل مجتمع ، مهما بلغت التطورات في التكنولوجيا أو تقنيات الذكاء الاصطناعي أو وسائل التواصل الاجتماعي ، وغيرها من التطورات .
إن التدهور في القيم والسماح بتحول الفضيلة إلى رذيلة وشرعنة القانون لمثل هذا التدهور والانحراف لا يمكن أن يكون مقبولا في مجتمعات ترفع شعار العبودية لله ، وتخضع لقوله تعالى ” إن الحكم إلا لله ” .
لا يمكن أن تكون الرذيلة والفاحشة مقبولة فطريا حتى لو أعطاها القانون صبغة شرعية .. لا يمكن أن يكون تمرد الابن على أبيه والبنت على أمها وأهلها أمرا فطريا مقبولا .. لا يمكن أن تكون المثلية مقبولة مهما صيغت لها من اتفاقيات أو قوانين دولية ، وحتى لو وقعت عليها حكومات دول عربية وإسلامية .. لا يمكن القبول بالإساءة إلى الأديان أو المقدسات أو الذات الإلهية تحت أية ذريعة كانت .. إن مثل هذه الأمور تصادم الفطرة ، كما تصادم الأخلاق ، وتصادم العقل السليم ، وبالتالي فهي تمرد على أخلاق المجتمع ، وتمرد على الفطرة البشرية .
إن التطورات في حياة الناس وأخلاقياتهم وسلوكياتهم ، تتطلب تشريعات قانونية مستمدة من شريعة الله أولا ومن ثم الاجتهادات البشرية النابعة من الفطر السليمة غير المشوهة أو المنحرفة .
لا يمكن السماح للحرية والانفلات ، بالتعدي على الثوابت وانتهاك المحرمات ، تحت أي ظرف من الظروف ..فأكل مال الناس بالباطل ، والتعدي على المحصنات العفيفات ، والمجاهرة في المعصية والرذيلة .. إلخ كلها سلوكيات تصادم الأخلاق ، وبالتالي فهي تستوجب العقوبة في القانون والشريعة ..